تقلبت كثيرا في فراشها، ولكن الأرق كان سيد الموقف. الصور تتزاحم أمام عينيها اللتين رفضتا الاستسلام للنوم.أسئلة ، وتساؤلات حيرى تنخر عقلها الذي لم يتعود سوى على حسابات الربح،والخسارة،ورسم الأحلام الوردية التي علقتها على أبنائها. ماالذي يحدث؟كيف استطاع أن يغزو كيانها بهذه السهولة،والسرعة؟هل هو فعلا فارس الأحلام الذي رسمته في خيالها مذ كانت طفلة؟ فجأة رن الهاتف جنبها فانتفضت مذعورة،لتكتشف أنه المنبه! _ياالله…حان وقت ايقاظ الأولاد ليلتحقوا بالجامعة،وهي لم تغف لها عين! يومها،وعلى غير عادتها حضرت لهم الإفطار في صمت.لتلتحق بعدها بالمحل المجاور لبيتها،والذي ألفت أن تبيع فيه بعض الأكلات السريعة. انهمكت في العمل ،وتلبية طلبات زبائنها،لكنها كانت شاردة الذهن،تراه في كل الوجوه الرجالية. _كشري سخن من فضلك! تسمرت في مكانها.أدارت رأسها ببطء،كان يقف خلفها بكامل أناقته،وابتسامته الساحرة. _أنت…أنت…كيف عرفت المكان؟ _من يهتم لا يعجزه شيء يا محاسن. ( إزاي أوصف لك يا حبيبي إزاي قبل ما أحبك كنت إزاي كنت ولا امبارح فاكراه ولا عندي بكره أستناه ولا حتى يومي عايشاه خدتني بالحب في غمضة عين وريتني حلاوة الأيام فين الليل بعد ما كان غربة لقيته أمان والعمر اللي كان صحرا صبح بستان ) مر يومها جميلا جدا.فعلى غير العادة راحت توزع الابتسامات على الجميع،وتلبي طلباتهم بصدر رحب. أما هو ،فقد اختار لنفسه طاولة في زاوية يرى منها المحل كله ، ورواده،ولا يراه منهم إلا القليل. أخذ وقتا طويلا،في تناول طعامه،ليطلب صحنا آخر. وهي تتحرك في المحل بين الطاولات،كانت تسترق إليه النظر من حين لآخر،فإذا ما وقعت عيناها في عينيه،بادلته ابتسامة خاطفة،وأدارت رأسها سريعا. شعور جميل كان يغزو كيانها،وهي تتحرك كالفراشة،كأنما عاد بها الزمن إلى العشرينيات من عمرها. وفي إحدى المرات التي كانت تمر فيها جنب الطاولة المنزوية التي كان يحتلها،أمسك فجأة بمعصمها.أحست بالأرض تزلزل تحت قدميها.توقفت في مكانها وهي تقاوم حالة الإغماء التي كادت تصيبها.لكنها لم تحاول حتى تحريك يدها لتحريرها من بين أنامله. _محاسن…اجلسي دقيقة.أريد الحديث معك. تراجعت خطوة إلى الوراء دون أن تنظر إليه.تحسست بيدها الأخرى الكرسي،ثم هوت عليه بكامل ثقلها. كانت عيناها زائغتين تنظران إلى اللاشيء،وقد شلت أفكارها،وتوقف كل شيء حولها عن الحركة. _محاسن…أنا لست شاعرا لأغازلك بقصيدة،ولست فنانا ليطربك بأغنية،أنا رجل. رجل (دوغري ) كما تقولون.تقبلي تتزوجيني؟ ( يا حبيبي الحب حياتنا وبيتنا وقوتنا للناس دنيتهم واحنا لنا دنيتنا وإن قالوا عن عشاقه بيدوبوا في نار أشواقه أهي ناره دي جنتنا ) يتبع .. ولحديث القلوب شجون لا تنتهي