كثيرون هم الذين قتلتهم ألسنتهم من خلال الشعر،خذ على سبيل الذكر لا الحصر،ان المتنبي من أولئك الذين تم الانتقام منه بسبب ماقال،والشاعر كان ولايزال وبحسب جماهيريته ومستواه مؤثر في الوسط الذي يعيش فيه،ولو اننا فرضنا بأن المعنى الذي قُتِلَ شاعر من أجله كان شتماً عادياً في غير قالب الشعر،لكان الوقع على نفس المهجو اخف من وقعه حينما جاء بصيغة شعرية،لإن الشعر يصنّف على انه لغة استفزازية وثورية مع اختلاف ألوانه. انتقل إلينا في مواقف كثيرة،من خلال قصص التاريخ،ان الشاعر المقرب من الحاكم اذا أراد خصمه الانتقام منه،نظم قصيدة وقام بترويجها حتى تصل الى مسمع الحاكم،فيقوم بتغيير نظرته وتعامله مع الشاعر،وذلك كله بسبب قصيدة،والبعض منهم قد يكون فعلاً هو من قال القصيدة القاتلة،ولعلّ قصة الشاعر طرفة بن العبد اقرب دليل الى ذلك،فقد جاء في سبب مقتله أنه هجا عمرو بن هند وقابوس أخاه بقصيدته التي منها: فَلَيتَ لَنا مَكانَ المَلكِ عَمروٍ رَغوثاً حَولَ قُبَّتِنا تَخورُ لَعَمرُكَ إِنَّ قابوسَ بنَ هِندٍ لَيَخلِطُ مُلكَهُ نوكٌ كَثيرُ فوصل خبر هذه القصيدة لعمرو بن هند فغضب غضبًا شديدًا ولكنه أخفى ذلك وأظهر حسن نيته بطرفة،ولم يكن يعلم طرفة بخبر وصول القصيدة إليه. فأرسل عمرو بن هند طرفة وخاله المتلمس–وكان المتلمس أيضًا قد هجاه منذ زمن ونسي ذلك إلى عامله في البحرين ومع كل واحدٍ منهم صحيفة مكتوب فيها(إقطع يدي ورجلي حاملها وأدفنه حيًّاً)ولم يكن يعلم أحد منهم ما بداخل هذه الصحيفة وكانا يظنان أن فيها مكافأة لهم،فتنبأ المتلمس بما فيها وتوجس منها فهرب،وأما طرفة فلم يظن أن مثل ذلك سيحصل له،بل أنه أصرّ على أن تصل الصحيفة إلى عامل البحرين فوصلت إليه فعمل بموجبها وكانت نهاية هذا الشاعر العملاق.