لشهر رمضان المبارك روحانيته التي تميزه عن بقية الشهور .. وله أيضا من المزايا والخصال ما لا يكون في غيره , ولذلك عدّ الشهر الفضيل نفحة ربانية , يتعين علينا نحن المسلمين أن نغتنمها , ولا يكون ذلك الا بتهيئة النفس لهذا الضيف الكريم , تهيئة تليق بمقامه العظيم … إذن يظل السؤال المهم : كيف يستقبل المسلم شهر الصوم ؟ .. وما هي درجة الاستعداد النفسي والإيماني , التي يمكن أن يكون عليها كل منا في حضرة هذا القادم الجليل , الذي يهلّ علينا في السنة مرة واحدة ؟ .. هنا الاجابات في رأي اصحاب الفضيلة العلماء . بداية يقول فضيلة الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس :"إن استقبالنا لرمضان يجب أن يكون – أولاً – بالحمد والشكر لله جل وعلا، والفرح والاغتباط بهذا الموسم العظيم، والتوبة والإنابة من جميع الذنوب والمعاصي؛ كما يجب الخروج من المظالم وردّ الحقوق إلى أصحابها، والعمل على استثمار أيّامه ولياليه صلاحاً وإصلاحاً؛ فبهذا الشعور والاحساس تتحقق الآمال، وتستعيد الأفراد والمجتمعات كرامتها، أما أن يدخل رمضان ويراه بعض الناس تقليداً موروثاً، وأعمالاً صورية محدودة الأثر ضعيفة العطاء، بل لعلّ بعضهم أن يزداد سوءاً وانحرافاً – والعياذ بالله – فذلك انهزام نفسي، وعبث شيطاني، له عواقبه الوخيمة على الفرد والمجتمع. فلتهنأ الأمة الإسلامية بحلول هذا الشهر العظيم، وليهنأ المسلمون جميعاً في مشارق الأرض ومغاربها بهذا الموسم الكريم، إنه فرصة للطائعين للاستزادة من العمل الصالح، وفرصة للمذنبين للتوبة والإنابة، كيف لا يفرح المؤمن بتفتيح أبواب الجنان؟. وكيف لا يفرح المذنب بتغليق أبواب النيران؟.. يا لها من فرص لا يحرمها إلا محروم .. ويا بشرى للمسلمين بحلول شهر الصيام والقيام .. فالله الله – عباد الله – في الجد والتشمير، دون استثقال لصيامه، واستطالة لأيامه، حذار من الوقوع في نواقضه ونواقصه، وتعاطي المفطرات الحسية والمعنوية . حقيقة الصيام: لقد جهل أقوام حقيقة الصيام؛ فقصروه على الإمساك عن الطعام والشراب؛ فترى بعضهم لا يمنعه صومه من إطلاق الكذب والبهتان، ويطلقون للأعين والآذان الحبل والعنان؛ لتقع في الذنوب والعصيان، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) [رواه البخاري]. ولله درّ القائل: (إذا لم يكن في السّمع مني تصاون *** وفي بصري غضّ وفي منطقي صمت ) (فحظي إذن من صومي الجوعُ والظمأ *** فإن قلتُ إني صُمتُ يوماً فما صُمتُ ) رمضان وحال الأمة: إنه ليَجدُر بالأمة الإسلامية التي تعيش اليوم مرحلة من أشد مراحل حياتها أن تجعل من هذا الشهر نقطة تحوُّل، من حياة الفرقة والاختلاف، إلى الاجتماع على كلمة التوحيد والائتلاف، وأن يكون هذا الشهر مرحلة تغيّر في المناهج والأفكار والآراء، في حياة الأمم والأفراد؛ لتكون موافقةً للمنهج الحق الذي جاء به الكتاب والسنة، وسار عليه السلف الصالح – رحمهم الله – وبذلك تُعيد الأمة مجدها التليد، وماضيها المشرق المجيد، الذي سطّره تاريخ المسلمين الزاخرُ بالأمجاد والانتصارات في هذا الشهر المبارك؛ وما غزوة بدر الكبرى، وفتح مكة، ومعركة حطين، ووقعة عين جالوت، وغيرها إلا شواهدُ صدق على ذلك. يحل بنا شهرنا الكريم، وأمّتنا الإسلامية لا زالت تعاني جراحات عُظمى، وتُعايش مصائب كبرى. فبأي حال يستقبل المسلمون في الأرض المباركة من جوار الأقصى المبارك هذا الشهر الكريم، وهم لا زالوا يُعانون صَلَفَ الصهاينة المجرمين؟ بأي حال يعيش إخوانكم المبعدون المشرّدون عن ديارهم وأهليهم وأموالهم؟.. وما استمرار قضية أولى القبلتين، ومسرى سيد الثقلين، وثالث المسجدين الشريفين، ما استمرار تلك القضية المأساوية إلا تحدّ سافر من إخوان القردة والخنازير، لكل مبادئ الدين والعقل، والحق والعدل، والسلام والأمن. بأي حال يستقبل إخوانكم المسلمون في أماكن كثيرة من العالم هذا الشهر الكريم وهو يعانون أبشع حرب إبادة عرفها التاريخ المعاصر؟ .. ويعانون حياة الجوع والتقتيل والتشريد؟. رمضان مدرسة الأجيال: في رمضان تتربى الأمة على الجدّ، وأمة الهزل أمة مهزومة، في رمضان يتربّى أفراد الأمة على عفة اللسان، وسلامة الصدور، ونقاء القلوب، وتطهيرها من أدران الأحقاد والبغضاء، والحسد والغلّ والشحناء، ولا سيّما من طلبة العلم، والمنتسبين إلى الخير والدعوة والإصلاح؛ فتجتمع القلوب، وتتوحّد الجهود، ويتفرّغ الجميع لمواجهة العدو المشترك، ونتخلى جميعاً عن تتبع السقطات، وتلمّس العثرات، والنفخ في الهنّات، والحكم على المقاصد والنيات. في رمضان: يطلب من شبابنا تحقيق دورهم، ومعرفة رسالتهم، وقيامهم بحق ربهم، ثم حقوق ولاتهم ووالديهم ومجتمعهم. في رمضان: تتجسد ملامح التلاحم بين المسلمين رعاتهم ورعاياهم، علمائهم وعامّتهم كبيرهم وصغيرهم؛ ليكون الجميع يداً واحدةً، وبناءً متكاملاً؛ لدفع تيارات الفتن، وأمواج المحن؛ أن تخرق السفينة، وتفوّض البناء، ويحصل جرّاءها الخلل الفكريّ والاجتماعي. في رمضان: تكثر دواعي الخير، وتقبل عليه النفوس, فهو فرصة الدعاة والمصلحين، وأهل الحسبة والتربويين: أن يصلوا إلى ما يريدون من خير للأمة بأحسن أسلوب وأقوم منهاج؛ فالفرصة مؤاتية، والنفوس مقبلة. فاتقوا الله – عباد الله – وأدركوا حقيقة الصوم وأسراره، وتعلموا آدابه وأحكامه، واعمروا أيامه ولياليه بالعمل الصالح، وصونوا صومكم عن النواقض والنواقص، وجدّدوا التوبة وحققوا شروطها, لعل الله أن يتجاوز عن ذنوبكم، ويجعلكم من المرحومين المعتقين من النار بمنّه وكرمه. هدي الرسول في رمضان: لقد كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان؛ يقول ابن القيّم رحمه الله: ( وكان هديه فيه عليه الصلاة والسلام أكمل هدي وأعظمه تحصيلاً للمقصود، وأسهله على النفوس، وكان من هديه في شهر رمضان: الإكثار من أنواع العبادة، وكان جبريل يدارسه القرآن، وكان يكثر فيه الصدقة والإحسان، وتلاوة القرآن، والصلاة، والذكر والاعتكاف، وكان يخصّه من العبادات بما لا يخصّ به غيره ). وقد سار على ذلك السلف الصالح – رحمهم الله – حيث ضربوا أروع الأمثلة في حسن الصيام، وإدراك حقيقته، وعمارة أيامه ولياليه بالعمل الصالح. واعلموا – إخواني المسلمين – أنكم كما استقبلتم شهركم هذا ستودعونه عما قريب، وهل تدري يا عبدالله هل تدرك بقية الشهر أو لا تكمله؟ إننا – والله – لا ندري، ونحن نصلي على عشرات الجنائز في اليوم والليلة: أين الذين صاموا معنا فيما مضى؟ .. إن الكيّس اللبيب من جعل من ذلك فرصة لمحاسبة النفس، وتقويم إعوجاجها، وأطرها على طاعة ربّها قبل أن يفجأها الأجل، فلا ينفعها – حينذاك – إلا صالح العمل، فعاهدوا ربكم – يا عباد الله – في هذا الشهر المبارك على التوبة والندم، والاقلاع عن المعصية والمأثم، واجتهدوا في الدعاء لأنفسكم وإخوانكم وأمتكم". ويقول فضيلة الشيخ صالح المغامسي:"إن في شهر رمضان تجدد كثير من المسؤوليات .. تجدد مسؤولية الأب المسلم مع أبنائه في أن يدلهم على الخير , ويحثهم على مواطن الرشاد , ولا يكن هم الرجل المؤمن أن يتخلص من أبنائه بحجة أنه يريد أن يتفرغ للعبادة .. بل إنه ينبغي عليه أن يعلم أبناءه بنين وبنات ما لهذا الشهر من مكانة في الدين , كما يتجدد في شهر رمضان مسؤولية المرأة المسلمة , فإن المرأة المسلمة من الواضح الجلي في هذا العصر أنها أصبحت مرمى وهدفا ظاهرا بينا لأعداء الملة ودعاة الفجور وأرباب الهوى وما تبثه القنوات الفضائية عبر الأفلام والأغاني والبرامج في كثير منها لا يختلف عليه اثنان في أن المراد منه إخراج المرأة المسلمة العفيفة من خدرها وجعلها كنساء الغرب الذين لا يرقبون في الله إلا ولا ذمة . ولا ريب أن هذا الهدف هدف خطير والتصدي له ليس واجب الدولة فقط وليس واجب الولاة أو العلماء فقط ولكنه واجب الجميع كل بحسبه , ونبينا صلى الله عليه وسلم كان شفيقا حادبا على الأمة كما هو معلوم , ولذلك نقل عنه في الصحيح صلوات الله وسلامه عليه:" أنه استيقظ ذات ليلة فقال يا سبحان الله ماذا أنزل الليلة من الفتن وما فتح من الخزائن أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم" ثم قال:" أيقظوا صواحب الحجرات أي النساء فرب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة" . وما يرتديه النساء من ألبسة اليوم حذر منه صلى الله عليه وسلم بقوله " صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات عليهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا " .. فهذان الأثران عن المعصوم صلى الله عليه وسلم موعظة وتبليغ وذكرى لنساء المؤمنين وأمهاتنا وأخواتنا وبناتنا وزوجاتنا في أن يتقين الله تبارك وتعالى في السر والعلن وأن يخشينه في الغيب والشهادة وأن يعلمن أن ماطولب به الرجال من الطاعات الأصل أن النساء مطالبات به إلا أن يستثني ذلك دليل , فكون المرأة تخرج إلى الصلاة غير متطيبة ولا متزينة متبرجة هذا أمر حسن محمود قال صلى الله عليه وسلم " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " . ويلعب الرجل المؤمن الحصيف العاقل دورا كبيرا في هذا الأمر فإذا كان الرجل كلما دخل البيت أو غدا سأل عن الطعام وسأل عن الأثاث وسأل عن تغيير الفرش وسأل عن ما شابه ذلك انشغلت المرأة بذلك حتى ترضي زوجها , ولكن إذا كان الرجل إذا دخل لا يسألها إلا عن الأبناء صلوا أولم يصلوا صاموا أو لم يصوموا سألها عن البنات كم قرأن من القرآن كم حفظن من الأحاديث انصرف جهد المرأة إلى رعاية أبنائها وبناتها وفهمت أيضا أن المراد بها نفسها . وهذا أمر ينبغي أن يحرص الناس عن طريق الكلمة الطيبة والنصيحة السديدة والتآلف والتآخي بأن نسد جميعا تلك الثغرة التي يريد أعداء الإسلام أن يجعلوها ظاهرة بينة في الأمة وأن يصلوا من خلالها إلى هدم القيم والمبادئ والأخلاق".