-صباح الخييييير أمل (قالتها بصوت بهيج يخفي الكثير من حب الحياة) -صباح النور. الله…ما هذه الألوان الجميلة؟ -هل أعجبك اللوك الجديد؟ سألت صديقتها ، وهي تجذب فستانها الأحمر بيديها إلي الجانبين ، ثم تقدمت خطوتين ، واستدارت كأنها عارضة أزياء. -علي الأقل أرحتنا من الألوان الداكنة الباعثة علي الإكتئاب. قالتها أمل، ثم تنشغلت برأس الزبونة الذي استسلم ليديها. نادت إيمان علي زبونة أخري أجلستها علي الأريكة ، وبعد أن عرفت منها ما تريد فعله،راحت تتفنن في شعرها بخفة لافتة.كانت بين الفينة والأخري تتوقف لتتفرس وجهها في المرآة ، ثم تكمل عملها. لأول مرة منذ زمان لم تحس بآلام تصلب الشرايين في ساقيها،والذي كثيرا ما كان يرغمها علي الجلوس ،قبل إتمام عملها. مرت الساعات طويلة علي غير العادة ، لتجد نفسها تسرع لمغادرة الصالون ، مع حلول وقت الساندويتش المعتاد. يومها اكتشفت جمال الشارع الذي عملت فيه سنوات طويلة! فقد توقفت أمام واجهات بعض المحلات،وتفرجت علي الألبسة المعروضة ، والتي كانت تمر أمامها يوميا دون أن توليها أدني إهتمام. اشترت ساندويتشين اختارت مكوناتهما بعناية ، ثم قصدت محل التقني. وجمت ، وقد اكتشفت أن الجالس خلف طاولة العمل هو الشاب ، الذي استقبلها أول مرة. -السلام عليكم ،هل الأستاذ أحمد موجود؟ -نعم هو موجود ! جاءها الصوت من خلف حاجز خشبي يقسم المحل إلى جزئين،ثم ما لبث أن أطل عليها بوجهه الجميل،راسما ابتسامة ملائكية. كاد قلبها يقفز من بين أضلعها وهي تتمتم: -كيفك أستاذ أحمد؟ عرفت أن شغلك يأخذ كل وقتك ،فجئتك بساندويتش.أرجو أن تقبله مني. نظر إلي يديها ثم قال: -يبدو أنك لم تأكلي أنت كذلك.إذن سنتغدي مع بعضنا. ثم وضع يده علي كتفها طالبا منها الخروج معه. كانت تسير جنبه ، وتارة خلفه،وهي لا تعلم أين يقودها.كل ما كانت تعرفه أنها سعيدة. دخل حديقة غير بعيدة عن الشارع الذي يعملان فيه،ثم اختار مقعدا تحت ظل شجرة وارفة ليجلسا عليه.نادي علي بائع متجول واشتري منه زجاجتي عصير،ثم نظر إليها مليا وقال: -هل تعرفين أنها المرة الأولي التي يهتم بي فيها أحد،ويفكر في غدائي؟ -لماذا؟ألا تحضر لك أمك الغداء في البيت؟ -أمي…أمي أكاد أنسي ملامحها،توفيت وأنا صغير ،وتكفلت بتربيتي أختي الكبري.وبعد زواجها عشت كل أنواع المعاناة.أنا يا إيمان يتشابه عندي الليل بالنهار.ولولا المحل الذي يشغل كامل وقتي،ما كنت لأعرف أين أولي وجهي. في حركة لم تحسب لها حساب،أمسكت بيده وراحت تمسح عليها بحنان،وهي تحاول التسرية عليه بكل ما تعرفه من كلمات المواساة،ورفع المعنويات ( وبعد الغيم ما يتبدد وبعد الشوق ما يتجدد غلاوته فوق غلاوته تزيد ووصله يبقى عندي عيد وبعد الليل يجينا النور وبعد الغيم ربيع وزهور ) -إيمان أنت إنسانة رائعة. -وأنت إنسان حنون وعطوف أحمد. -ارتحت لك . أصبح يومي جميلا بك،وأتمني أن أراك كل يوم. -وأنا كذلك ارتحت لك أحمد . افترقا ذلك اليوم علي أمل الإلتقاء نهار الغد. كان يوم عطلتها،لكنها لم تخبره فقد قررت أن تفاجئه في محله بما يسره. ومع الصباح ، تفننت في إعداد أكلة المحشي اللذيذة ، التي لم تكن من ?كلات يومياتها،وأعدت معها أنواعا من السلطة،والفاكهة،وحتى بعض العصائر .كانت تريدها وجبة كاملة. امتطت الحافلة المعهودة، وحشرت نفسها وسط ركام من الأجساد المتدافعة بالمناكب،والركب، وكل ما تيسر لإيجاد ممر في منظر يشبه يوم الحشر. بعد جهد جهيد،وتعرق،وزفير إستطاعت أن تفسح لنفسها مكانا ،وهي ترفع القفة فوق رأسها لتجد نفسها جنب النافذة،لربما تتنفس قليلا ،وتملأ رئتيها ببعض الهواء النقي،لأن التنفس وسط الحافلة أصبح شبه مستحيل!! لم تكن تحفل بما يدور حولها.سرحت بفكرها بعيدا ، وهي تسترجع كل ما عاشته قبل أن يلاقيها القدر بأحمد.لقد كانت شبه انطوائية ،لا تهتم بشكلها ،ولا أناقتها رغم عملها في صالون للتجميل.بل وصل بها الأمر إلى رفض الكثير من دعوات الأعراس. تسع وثلاثون سنة من عمرها إلتهمتها الحافلة والصالون ! كانت ترى الصبايا من العائلة،والجيران يغادرن كل صيف إلى عرسانهن،لتزف هي كل ليلة إلى وحدتها،وحزنها الذي يقتات من لياليها.لقد أصبحت عندها عقدة الفستان الأبيض.ليكون كل لباسها داكن اللون ،حزينا. ( ويا قلبه اللي طول عمره ما داق الحب وحلاوته تشوفه يضحك وفي قلبه الأنين والنوح عايش بلا روح وحيد والحب هو الروح ) إنتبهت على صوت قابض الحافلة وهو ينبه الركاب إلى محطة الوصول.تحسست بيديها الأطباق في القفة التي على رأسها،لتتأكد من احتفاظ الطعام بسخونته. تحركت قليلا وسط الأجساد المتراصة،ثم أنزلت القفة لتضمها بكلتي يديها إلى صدرها ،وقفزت لتجد نفسها على الرصيف. توقفت قليلا وهي تضع قفتها على الآرض . لم تكن تعبأ بالعيون التي كانت ترشقها بالنظرات وهي تخرجمن حقيبتها اليدوية مرآة صغيرة تعكس لها وجهها الطفولي البريء.ثم تليها برش رقبتها وتحت إبطيها وحتى فستانها بمزيل العرق.وكطفلة صغيرة راحت تعدل لباسها ، لتحمل ما جاءت به من طعام ،وتنطلق نحو وجهتها. كان خلف طاولة العمل. -يا الله هذا ملاك وليس بشرا(قالتها لنفسها وهي تحبس انفاسها المتصاعدة لحظة توسطها باب المحل). قبل أن تنطق حتى بالسلام،رفع رأسه ،ونظر إليها مليا راسما على شفتيه ابتسامة ساحرة ،ثم أقبل نحوها قائلا: -إيمان…ما هذه المفاجأة الرائعة،كنت أحلم برؤيتك اليوم مع علمي أنه يوم عطلتك. -أعرف أنك تعمل اليوم ،لذلك طهوت لك المحشي. -ياااااه المحشي؟المحشي يا إيمان؟لقد نسيت طعمه.لم أشم حتى رائحته منذ وفاة الوالدة -رحمها الله- -أعرف يا أحمد ،لذلك أردت أن أفاجئك به اليوم. -إيمان أنت إنسانة عظيمة،أين كنت طيلة السنوات الماضية،أين كنت وأنا أقطع الصحراء وحدي ،أحبك إيمان،أحبك !! وكاد أن يغمى عليها وهي تسمعه يردد ذلك….. ( حبيبي لما يوعدني تبات الدنيا ضحكالي ولما وصله يسعدني بافكر في اللي يجرالي ينسيني الوجود كله ولا يخطر على بالي ) يتبع …. بعد العيد بإذن الله ولحديث القلوب شجون لا تنتهي تتوقف عن سرد بقية القصة خلال هذا الشهر الفضيل كل عام وأنتم بخير [email protected]