( عروبة النخل ) تعبيرٌ شدّني لا إلى حدّ الإعجاب فقط وإنما إلى حدّ التأمّل العميق في خلفياته المعرفية والفكرية من جهة، والتطبيق على مستوى الواقع الخارجي الذي تعيشه أمتنا العربية في عصرنا الراهن من جهة أخرى، ومن منا لا يتأمّل في أوضاعنا العامة كأمّة كنّا فيما سبق خير أمّة أُخرجت للناس نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونطبّق ذلك على واقعنا المُعاش في كلّ جوانب الحياة، ومن مِنّا لا يتأمل فيما يحدث على الساحة العربية من نزاعات داخلية وخارجية، وحروب بين الدول، وإرهاب وقتل وتدمير، ومؤامرات وما إلى ذلك. والشاعر الإماراتي سالم أبو جمهور أراد أن يسلطّ بعضاً من الضوء على حال الأمّة ليس بطريقة تقريرية مباشرة يمجّ منها متذوّق الفن والأدب وإنما بطريقة بلاغية جميلة، لقد استخدم أسلوب المُواراة، والمواراة مصطلح مشتق من كلمة وراء أي خلف، فهو عندما يتحدث عن عروبة النخل يقصد بها عروبة العرب، ووارى بالنخل في تعبيرة كناية عن كينونتنا التراثية وارتباطنا الاقتصادي اللصيق بالنخلة ولها ما لها من المكانة عند العرب قديماً وحديثاً. والشاعر يطالعنا في قصيدته التي عنونها ب ( أفَا )، ويضمّن هذا المضمون حول الأمة، والقصيدة المذكورة ضمن عدة قصائد نشرها الشاعر سالم أبو جمهور في ديوانه الجديد ( وخد سمحة ) الصادر عن دار نبطي للنشر، ويقع في في مائتين وعشرين صفحة من القطع الوسط، وهي المجموعة الثالثة عشر للشاعر في مسيرته الشعرية الممتدة من عام 1983م حين صدر ديوانه في الشعر الشعبي "روائح النود"، ومجموعة "وخد سمحة" جاءت في الشعر العمودي، وهي تاسع مجموعاته الفصحى، واختار لها عنوانا من البادية وتعني حركة الناقة، ولهذا العنوان دلالة الإرتباط بالبيئة الصحراوية التي تعوّد عليها أجدادنا الأوائل حتى سنوات متأخرة من القرن الماضي ولا زالت المجتمعات العربية المحاذية للصحاري والقفار لها ارتباط بهذه البيئة العربية العريقة، والشاعر له عدة نصوص تقتبس من هذه البيئة سواء على مستوى العناوين أو على مستوى المضامين الداخلية لها،وقد استفادت الفنانة والكاتبة آما الأحمد من هذا التراث لترسم للمجموعة لوحة غلاف استقتها من هذه البيئة أيضاً، بل الرسمة مُعبّرة تعبيراً تطابقياً مع العنوان مباشرة حيث حركة الناقة أثناء سيرها. والجديد في هذه المجموعة هو ابتعاد أبوجمهور عن قصائد التفعيلة لأول مرة في مجموعاته الفصيحة وتركيزه على العمودي، وقد بدأ أبوجمهور في هذه المجموعة مفتتحا بمواضيع متنوعة كحب الديار في قصيدتي "ظبيان"، وهنا يمكن أن نطلق عليه البُعد المكاني، و قصيدة "الظبياني" وحب الشعر والشاعر في قصيدتي "موجة الألحان" و "الماجدي" ويمكن أن نطلق على هذا الجانب بالبُعد المعنوي، وختم مجموعته بقصائد منوعة أخرى يناجي فيها الأصدقاء كفالح حنظل وغسان الحسن وكريم معتوق وإبراهيم محمد وغيرهم من أعلام الساحة الثقافية في الإمارات،وهذا ما يمكن أن نسميه بالبُعد الاجتماعي، وبين البداية والنهاية كانت هناك مجموعة أخرى من المواضيع والأغراض الشعرية المختلفة، جمعت بين هذه القصائد المفردات والاستعارات المحلية التي تعمّد أبوجمهور صياغتها في هذه المجموعة. أما قصيدته ( أفا ) فهي تُطِلُّ في بدايتها على المجتمع بشكل عام،ثم يتطرق إلى الأهل بشكل خاص حيث ركّز الشاعر في البيتين الأولَين على عينات من الأهل كأمثلة من المجتمع الصغير، الذي هو بدوره مثال واضح من المجتمع الكبير لأنه يتكوّن منه، إلا أنه يقفز بالمعنى إلى الأمة مباشرة حيث أرومة المجد وفروعها التي لها علاقة مباشرة بجذوع النخل كرمز من رموز حضارتنا العربية من قبل حتى نزول الكتب السماوية، وهذه العروبة لا تحتاج معرفة إن أنكرها الناس أو اعترفوا بها فهو موجودة، ولا يمكننا معرفة هذه العروبة على أي شيء في هذا الوجود كالثمار التي تنتجها أرضنا الخصبة، كالفاكهة أو التمر الذي هو نتاج النخلة العربية الأصيلة.. وإنما الذي يكشف عن عروبتنا الحقيقية هو الشرف، وهذا ما ختم به البيت الأخير من هذا المقطع، وهو ختام جميل لصورة بديعة رسمها بكل بساطة ولكنه ضمّن فيها من العمق ما ضمّن في إطارٍ من الألم بواقعنا العربي، الذي لخصة بكلمة واحدة (أفا). أفا يقولها من في قلبه أسفُ إذا رأى الأهل عند الهول تختلفُ هذا ابن هذا وذا ابن العم ذاك أخٌ وتلك أمٌ وذي أختٌ كما عرفوا أرومةٌ من جذور المجد واحدةٌ فروعها بجذوع النخل تتصفُ عروبة النخل فيهم منذ أن خلقوا وقبل أن تنزل الآيات والصحفُ عروبة النخل لا تحتاج معرفةً إن أنكر القوم معناها أو اعترفوا عروبةٌ لا على التفاح نقرؤها ولا على التين إن باعوا وإن قطفوا عروبةٌ لم تزل كالنخل شامخةٌ لا يفصح التمر عنها إنما الشرفُ ولسالم أبوجمهور مجموعات شعرية أخرى مهمة منها "بتروكولا" و"طخ طرخطخ" و"رجائي" وأخيرا و"رسم الأميرة" ومجموعة "ملاعب البالون" الشعرية التي ترجمت إلى اللغة الألمانية، وكلها مساقات لغوية في إطار شعري يتحدث فيها الشاعر عن الذات المفردة والذات المجموع، والأرض والحياة والمستقبل، وما هذه المداخلة على هذا النموذج الشعري من ديوانه الجديد إلا مثال واحد من أمثلة أساليبه الإبداعية الشعرية في التعبير عن جانب مهم من جوانب حياتنا وحضارتنا ألا وهو الجانب الواقعي وما آلت إليه عروبتنا في ظل هذه الظروف في واقعنا الراهن، حيث إن العروبة الحقيقية والأمجاد لا تتحقق إلا بالشرف وليس بالغناء الفارغ من المصاديق الواقعية. هذه الجائزة في التواصل الثقافي مع الآخر من خلال الترجمة والأعمال الدرامية. [email protected]