الورد «للشاعر علي بافقيه، ومن ذلك يتكشف للناقد المركبات المغايرة في هذه المسألة التي تفتح حواراً خلاقاً بين شعراء اسلاف واخلاف تشترك همومهم وموضوعاتهم، كأن الزمن لا يمضي أو هو يتحرك دائراً. الفصل الثاني من الكتاب يتخذ قالب المقالة في حديثه عن الشعر وهي متنوعة مرة بابعاد عربية وأخرى عالمية. في مقالة: من الساهرون في بيت المتنبي؟ يقترح آلية القراءة في ديوان المتنبي كما هي تختلف عن آلية السماع ويعقد أمنية على النقاد العرب - كنقاد التنظير البلاغي - لو انهم يعطون انفسهم فرصة تناول الشعر العربي القديم بحسب ما توفره لنا العلوم الانسانية التي من الممكن ان تدفع بنصوصهم النقدية الى ما هو اكثر أصالة وانسجاماً مع روح الثقافة العربية وإبداعها فيما سبق من عصور (ص: 134) وفي مقالة أخرى يتذكر الاخطل الصغير وعلاقته - أي: الناقد البازعي - بشعره وشعر عمر أبي ريشة لكونهما أثرا بطريق او بآخر في الذائقة النقدية والثقافة الشعرية لديه (ص:136). في مقالة: «الموت الاخير للشاعر» يقرأ ظاهرة تأبين شاعر مثل نزار قباني تحكمت فيها تهاويل الاعلام وعامية التفكير، عبر هذا العويل والفجائعية، فأول نتائج التأمل هي ان الشعر والادب بل الثقافة كلها، بخير طالما ان شاعراً يستطيع ان يؤجج في الناس كل هذه الفجائعية». (ص: 141). في مقالة «اولئك الشبان المدهشون» عن الشعراء الذين يقضون باكراً في عمر الشباب ممثلاً عليهم بطرفة بن العبد من الشعر العربي ومن الشعر الانجليزي جون كيتس ويقارب هذه الظاهرة التي يتلمسها بالنضوج المبكر لهؤلاء الذين من الممكن جعلهم اساطير شعرية (ص:145) كما يتلمس بعداً مأساوياً في نصوصهم خاصة من تهددوا بالموت المبكر بسبب المرض كأبي القاسم الشابي وبدر شاكر السياب لكون شعرهما «أتي مشحوناً بالادراك المأساوي» (ص:146). تتنوع المقالات الاخرى لتطال الشعر والشعراء عبر مواضيع مختلفة كما في مقالة «كيف نحمي الجواهري من هواة الرثاء؟» (ص:148)، وهموم النقدية الشعرية العربية في مقالة: «قصيدة البيت الواحد» (ص:152) كذلك مقالة مدهشة حول نص يماثلها: «وحده المسافر في Jun» (ص:156). يتوقف الناقد البازعي في مقالة دراسية الطابع حول معوقين أساسيين في تلقي قصيدة النثر الاول توفر الاعمال للراغبين في الاطلاع والثاني التحيز ضد اشكال شعرية معينة او عدم وضوح السمات الدلالية والجمالية التي تبرر الاهتمام بمثل هذه الاعمال (ص:160) وهذه التمهيدة النقدية لاجل قراءة نصوص شعرية للفلسطيني وليد خازندار عبر مقالة عنوانها «وليد خازندار وطيش الغرف». كانت القراءة النقدية تعتمد على نصوص مجموعتين شعريتين «افعال مضارعة - 1986» والثانية «غرف طائشة 1992» يؤكد الناقد على قيمة الفن في عدم اكتفائه بالدلالة العميقة دون اكثرات بالتقنية او الاسلوب الذي ينقلها ولا بالأسلوب دون الدلالة والمعيار دائماً هو علم الاثنين معاً وتضافرهما وتولد احدهما من الآخر (ص:166). بعد تجوال بين النصوص ودلالاتها يخلص الناقد الى ان القاعدة عند الخازندار هي استخراج العميق والجميل من التراكيب والدلالات عبر تشكيلة واسعة من التقنيات المحكومة بضابط البناء الفني فهو الطيش لكن داخل الغرف (ص:168). يكمل الناقد البازعي فتنته في قراءة الشعر وتوسل كل ما يعينها نحو الوصول الى نص نقدي يطور من نظريته الادبية عبر تحقيق جعل التراث الشعري مجال تأمل لا يغيب عنه التحليل طرحاً معرفياً يتأسس على قيم وقناعات نقدية كما ألفت في المقدمة تجعل انطلاق النظرية من النص واليه تعود. يستقرىء الابعاد المأساوي في حيوات الشعراء كما هي في تاريخ الشعر الانساني ك: احباطات المتنبي سوداوية المعري مآسي شكسبير عذابات دستويفسكي واحتراقات السياب... فهو يتوقف في مقالة «صور لا انسانية للحزن بين عبد الصبور والملا» (ص: 169)، حيث يقرأ كيفية التعبير عن الحزن بين قصيدة «رحلة في الليل» للشاعر المصري صلاح عبدالصبور من مجموعة «الناس في بلادي» وقصيدة :«غرفة 26» للشاعر السعودي احمد الملا من مجموعة: «ظل يتقصف - 1995» فهو يرصد الصور المأساوي للتمزق والضياع عند عبدالصبور عبر حيوانية الألم التي وظف لها الشعر كلمة تحاكي صوت الحيوان في مقطع قصيدته ويقفر الطريق من ثغاء هؤلاء.. «(ص:171). وتكتمل أيضاً هذه صورة حيوانية الالم عند الشاعر الثاني التي يستعير أيضاً صوت النباح من خلال نص اتبع اسلوب المحاورة: «- ماذا يفعل الحزين؟. - ينبح يا بابا» (ص:172) فيما يرى الناقد ان الشاعر في مأسوية مرعبة حين لا يستطيع ان يبكي او ينوح بل يثغي أو ينبح كما اقترح كل من نص عبدالصبور والملا في قراءة تكشف عن الاول والثاني تأخذ بعداً آخر سوف يكمله الناقد في قراءة تالية عبر مقالة: «خشب يبكي في الحقول: إدهاشات الملا»(ص:174) التي تتوقف عند مأساة النخلة والفلاح في نص: «في أقصى حلمه»، حيث تسقط هذه المأساة على كل قارىء/قارئة لكوننا بالتماثل او بالتلقي نقف جميعاً بمحاذاته نشاركه الفزع لسقوط التمرة وصرخة السعف وبيننا تنهض النخلة قامة بهية بالعطاء وبالدماء البشرية التي روتها (ص:177) الانتقال يتيسر للناقد عندما يرى نصاً آخر في المجموعة يكمل الاول وهو قصيدة «على الورقة»، حيث تتوازى الصور المتشابهة بين الكتابة والزراعة عبر معركة تجري بين النخيل والكلمات، الارض والورقة، الفلاح والشاعر، لكون هذه المعركة تجري «على الورقة» وتختزل فيها الحياة بما فيها من قسوة و.. موت» (ص: 178). في المقالتين التاليتين يظهر الحس القومي ليس بصيغته الايديولوجية، بل الانسانية عندما يبحث عما يريح النفس العربية لتواسي وتتعزى بأختها كما هو حادث من الناقد عندما تلمس اوجاع وآلام العراق عبر شعر سر كون بولص في مقالة: «شهود على الضفاف» (ص:179) وبدر شاكر السياب في مقالة: «من وحي العراق/السياب بين قصيدتين» (ص:185). ان ما تطلبه الناقد البازعي كينونة النص النقدي في شراكة النص الابداعي تماهياً رؤيوياً كما ألفت في المقدمة تؤكده هذه المقالة التي تبدر القسم الثاني من المقالات المصنفة تحت عنوان: «ابعاد عالمية، وهي التي تحمل عنوان: «امريكا في اعين مبدعيها» حيث يتلمس موقف المبدعين في سياق المجتمع الامريكي خارج التيار السائد، حيث تتحد أصوات النخب المفكرة والمبدعة بأصوات جموع من الاقليات العرقية المهدورة الحناجر (ص:197) فيصنف مجموعة من الادباء الامريكيين الذين أخذوا مواقف انتقادية لامريكا ممن تؤذيهم طرائق سير الدفة السياسية والاقتصادية المشدودة الى تيار ايديولوجي بعيد عن الانسانية وهذا ما يتيح ضرب السائد والمكرس برفضه ليكون هذا الرفض موقفاً ضد اشكال الظلم والانحطاط والسطحية مرتكزاً على نص الشاعر الامريكي كلود مكاي: في نص شعري يحمل عنوان: «امريكا»، حيث يتوقف الناقد البازعي عند شطر شعري من هذه السوناتة يتركب في جملته من الارداف اللفظي: «احب هذا الجحيم المثقف الذي يمتحن شبابي» (ص:195)، فالشاعر يترك للقارئ عبر توالي صور القصيدة وإيحاءاتها ما يشي بمشاعر مختلفة كثيراً عن الحب» (ص:196). في متوالية نقدية تأتي ثلاث مقالات حول موقف الشاعر من ظاهرة الحرب في الاولى: «الحرب بين ثلاثة شعراء (1)»، هم سعدي يوسف، الشاعر الايرلندي شيمس هيني والامريكي مايكل هيسي (ص:198) ثم التالية بعنوانها الفرعي: «سعدي وامريكا» (ص:205)، وتتصل بشكل غير مباشر الثالثة من المقالات: الحرب من أجل المتعة» (ص: 211) التي تناولت قصيدة الشاعر الايرلندي وليم ييتس حين كتبها عن طيار شارك في الحرب يعرفه في قصيدة: «طيار ايرلندي يرقب موته»، حيث يتلمس الناقد جو «البرودة العقلانية» الذي سيطر على القصيدة (ص: 214) مسقطاً أن متعة وراء الذهاب إلى حرب بعيدة يتفنن فيها بقيادة الطائرة كما يوازي الناقد تلك المتعة بقيادة الشبان سياراتهم في مدننا المعاصرة (ص: 216). يختتم الكتاب نفسه في مقالة: مفارقات الذهب» (ص:217) التي تتناول الشاعر الكردي شيركوبيكه. س، من حيث يقرأ قصيدة: «مضيق الفراشات» من مجموعة مترجمة: «نغمة حجرية - 1999» حيث يكشف الناقد ما تعمد اليه الشاعر من توظيف اللون الذهبي على النحو الذي يتجاهل به الواقع الطبيعي ويخدم رؤيته الشعرية او موقفه الاجتماعي/الاقتصادي لكونه يسقط الاحتجاج الاجتماعي على براءة الاشجار والفصول (ص:219) وسر المعادلة الشعرية تقع بين الغنى والفقر حيث تنتصر للثاني منتقدة الاول. في هذا الكتاب يكمل الناقد البازعي، كتابته او نتاجه في قراءة الشعر عبر همومه النقدية المرتكزة على ثلاثة محاور: نقد الشعر كونه عملية اساسية في قراءة وتأمل الأدب بالمقارنة والتحليل وأخيراً العناية بالمصطلح النقدي. يعد هذا الكتاب اكتمالا لمسيرة، الناقد البازعي، قي القراءات التي تتجمع في كتب (3) ترسم عبر التراكم التفاعل القرائي مع النصوص الشعرية للدفع بعجلة النظرية الادبية فاعلة في قراءة القصيدة الشعرية في التخوم المسحورة بها، بضوء الشعر والنقدية الفاعلة. ٭٭ ارقام الصفحات من الكتاب المقروء سيتم الاشارة داخل المتن. 1- في ترجمة أخرى: «ان الشعر أزلي، لكن الوجوه التي يمنحها لنا مختلفة دائماً». قصيدة النثر: من بودلير حتى الوقت الراهن (جزآن)، سوزان برنار،ت: راوي صادق، شرقيات - 1998، ص:37، اصل الكتاب بالفرنسية: Le Poeme Prose de Baudelaire jusuqu,a nos jours,Suzanne Bernard,Librairie Nizet,Paris - 4991 سبق ان صدر عن دار المأمون - 1993 في بغداد، ترجمة عشوائية او نقل اختزالي فيما كان ركيزة اساسية كمرجع بالفرنسية لتيار مجلة شعر بين الشاعرين ادونيس وانسي الحاج. 2- سبق ان تناولت هذه المسألة بشكل أكبر من خلال ثلاث حلقات نقدية نشرت في ملحق الخميس - جريدة «الرياض» عن كتاب: استقبال الآخر - 2004، للناقد سعد البازعي، سنة نشر الكتاب. 3- يذكر في خصوص نقد الشعر كتابيه: ثقافة الصحراء - 1990، واحالات القصيدة - 1999، أما في مجال الادب المقارن: مقاربة الآخر - 1999، واما في مجال المصطلح والتيار النقدي: دليل الناقد الادبي - 2002، مشتركاً مع ميجان الرويلي في طبعة ثالثة.