تفكر الثلاثينية أم عبد الله اليمنية بمصير أسرتها كثيراً هذه الأيام، بعد انعدام وجود عدد من السلع الغذائية في أسواق مدينة تعز اليمنية – وسط اليمن -، إثر انطلاق عمليات تحالف عاصفة الحزم، إذ لم يتبق لديها سوى 10 كيلوجرامات من الدقيق. على أم عبدالله أن تطعم أطفالها الخمسة هذه الكمية لمدة لا تعلمها بسبب غياب هذه السلعة الاستراتيجية عن الأسواق، ومضاعفة عدد قليل من التجار ممن لديهم مخزون منها أسعارها، متذرّعين بأن العاصفة منعت استيراد المزيد من هذه السلعة الاستراتيجية. "من أين سآتي لهم بالطعام؟" تتساءل أم عبد الله، وتسابقها دموعها صوتها، مضيفةً: "ابني الذي كان يصرف على البيت يعمل في مناطق الصراع بمحافظة شبوة – جنوب اليمن – وهو اليوم متوقف عن العمل فكيف سيكون مصيرنا، والغلاء من المحتكرين دمر حياتنا، وكل هذا بسبب يمنيين مثلنا يرغبون في تعظيم أرباحهم على حسابنا؟". احتكار الغذاء في طريق عودته إلى مدينة تعز، بحث محمد اليوسيفي في العديد من المتاجر عن زيت الطعام، كغيره من مواطني بلدته بني يوسف، التي تبعد عن المدينة قرابة ساعة ونصف الساعة بالسيارة، جُلّهم يعانون من غياب سلع الزيت والقمح والأرز والسكر، بعد أن شهدت أسعارها ارتفاعاً من 4000 ريال (18 دولاراً ) للزيت ليصل السعر إلى 6500 ريا،ل ما يعادل 30 دولاراً بنسبة زيادة تصل إلى 30%. في مدينة عدن يؤكد جمال أحمد، ل"العربي الجديد"، أن "مادة القمح متوفرة في المدينة إلا أن سعر جوال زنة 50 كيلوجراماً من القمح وصل، بعد انطلاق عمليات عاصفة الحزم، إلى حوالى 11 ألف ريال ما يعادل 50 دولاراً بعد كان في السابق 7 آلاف ريال يمني (32 دولاراً). ويؤكد خبراء اقتصاديون ل"العربي الجديد" "أن انعدام سلعة القمح بشكل كامل يؤشر إلى نية أثرياء الحروب رفع أسعارها خلال هذه الفترة على الأقل، وأن عملية الاحتكار للسلع الغذائية اليوم، هي خطوة أولية لأثرياء الحرب، الذين يتحيّنون الفرصة لرفع مكاسبهم إلى أضعافها، مما يكدس لديهم أموالا طائلة وقد يصبح هؤلاء أهم القادة المتحكمين بمفاصل الدولة في المستقبل، لوجود الأموال التي تمكنهم من ذلك". في هذا السياق وثقت "العربي الجديد" عبر جولة ميدانية في مدينة تعز، تخزين أحد تجار المواد الغذائية المعروفين حوالى مليوني كيس من القمح في مخازنه، وتؤكد مصادر كاتب التحقيق أن التاجر لم يوضح أنه سينزل بضاعته هذه الأيام إلى السوق، رغم حاجة المواطنين الشديدة لها. وبلغ سعر مليوني كيس من القمح، قبل انطلاق عاصفة الحزم، حوالى 8 مليارات ريال يمني (36 مليون دولار)، فيما بلغ بعدها حوالى 20 مليار ريال يمني (89 مليون دولار)، بفارق سعر يصل إلى 12 مليار ريال (53 مليون دولار). تخزين السلع يرجع أستاذ الاقتصاد في جامعة صنعاء، الدكتور طه الفسيل، أسباب أزمة انعدام السلع الغذائية والمشتقات النفطية ورفع أسعارها إلى غياب تنظيم وتوزيع هذه السلع بين المحافظات، بما يتوافق مع عدد السكان والاحتياجات وعدد المنشآت الاقتصادية، ويقول: "الناس مع الأزمة يحاولون تخزين أكبر كمية ممكنة من السلع تفوق حاجتهم الأساسية لفترات طويلة خوفاً من المستقبل، لكن ليس كل المواطنين لديهم إمكانيات كافية للتغلب على ارتفاع الأسعار بهذا الشكل". وأضاف الفسيل " المواد الغذائية متوفرة، لكن عملية الهلع وخاصة بعد استمرار أيام الحرب لليوم ال 14 والخوف من الحصار مما يدفع المستوردين إلى الخوف على المخزون، فالتاجر دائماً يتمسك بالسلعة عندما يبدأ الطلب عليها، لأن الحصار البحري أعاق تغطية الاحتياجات لهذه السلع مستقبلاً. في السابق كان تجار الجملة يفترشون أكياس القمح في الشوارع ويبحثون عمن يشتريها، لكنهم اليوم بدون شك يستغلون هذه الأوضاع، وهناك تجار لا يخافون الله". وأوضح أستاذ الاقتصاد في جامعة صنعاء:"في كل أزمة هناك مستفيدون وخاسرون، العمل العسكري لا بد أن يرافقه عمل إنساني، أو تفتيش السفن والتأكد من أنها لا تحمل سلاحاً، لكن للأسف الشديد الإنسان اليمني آخر من يُفَكَّر فيه من قبل الأحزاب أو السلطة في الداخل، فما بالك في الخارج؟ أتمنى من الأممالمتحدة أن تتدخل لإدخال السلع الأساسية للشعب اليمني. لسنا كلنا حوثيين، ولا كلنا علي عبد الله صالح. هؤلاء لا يتجاوز عددهم 3% لكن الشعب اليمني أكثر من ذلك بكثير، والآن هو يعاني من تجار الحروب وأثريائها". ويصف أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة صنعاء، الدكتور حمود العودي، ما يحدث تجاه المواطنين اليمنيين من أثرياء الحرب والمحتكرين بالانتهازية قائلا:" هؤلاء يستغلون الظروف التي يعيشها الناس، ويستغلون ما تبقى من مصادر العيش بطريقة غير إنسانية، وبمعزل عن وجود رقابة للدولة أو السلطة التي أصبحت في خبر كان". وبحسب منظمة الغذاء العالمية، في تقرير منشور في عام 2014، فإن 16 مليون يمني يقعون تحت خط الفقر، أكثر من نصف عدد السكان البالغ 26 مليون نسمة، وتستورد اليمن حوالى 40 مليون طن من القمح سنوياً، فيما يبلغ احتياطي اليمن من مخزون القمح 600 ألف طن ما يكفي مدة 4 أشهر، حسب وزارة الصناعة والتجارة اليمنية. أزمة البنزين يبحث مزارع القات اليمني، كامل محمد سعيد، عن 5 لترات من البنزين، لرفع المياه لمزرعته، منذ يومين، مما يعرض محصوله للتلف في حال لم يجد البنزين الغائب، الذي تضاعف سعره هو الآخر مثل غيره من السلع، التي استغل تجار يمنيون حاجة السكان إليها، "لتخزينها وتعطيش السوق، تحقيقاً لأرباح خيالية" كما يقول سعيد ل"العربي الجديد". يشرح سعيد الأمر قائلا:"سعر لتر البنزين قبل الأزمة في المحطات بلغ 180 ريالاً يمنيّاً (الدولار يساوي 215 ريالاً يمنيّاً)، الآن السعر لم يتغير في المحطات، لكن البنزين نفسه غائب ولا نجده إلا نادراً، في حين ارتفع سعره في السوق السوداء إلى 250 ريالاً يمنيّاً للتر ويصل حتى إلى 400 ريال (قرابة دولارين)". أما أحمد الربادي، سائق سيارة أجرة في العاصمة صنعاء فيقول إن "البنزين غائب تماماً، ولا يتواجد حتى في السوق السوداء، مما أدى إلى توقف العديد من المركبات ومحركات ضخ المياه ومطاحن الحبوب بسبب انعدام هذه المادة من الأسواق". ويتطابق كلام محمد عبد الحفيظ مع حديث الربادي مشيراً إلى اختفاء البنزين من السوق، قائلا "جميع المحطات توقفت عن تزويد المواطنين بالوقود والمشتقات النفطية في مدن صنعاء وذمار، وبعض محطات في تعز في الوقت نفسه، عصر يوم انطلاق عملية عاصفة الحزم، وقد يكون للحوثيين وحليفهم صالح مصلحة في تضييق المعيشة اليومية للناس من أجل أن يخرجوا ضد عاصفة الحزم". تجار الدم يبدي الشاب محمد عبده – يعمل في تجارة القات- استعداده للتجنيد في صفوف الحوثيين، إذ سمع أن الجماعة تدفع لمن ينتظم للقتال في صفوفها، مبلغاً ماليّاً يصل إلى خمسة آلاف ريال يمني يومياً (25 دولاراً) وتمنحه 400 طلقة رصاص سعر الواحدة 270 ريالاً (دولار وربع الدولار)، وسلاح كلاشنكوف تصل قيمته إلى 700 ألف ريال يمني (3200 دولار). بالنسبة لمحمد، فإنه قد يحقق ثروة من وراء الالتحاق بالحوثيين لأنه كما يقول "لا يوفر من عمله في تجارة القات نصف هذا المبلغ". ويمتلك اليمنيون 52 مليون قطعة سلاح، وتعتبر تجارة السلاح مصدراً مهماً للجماعات والمليشيات التي تعمل خارج نطاق الدولة، وخلال الفترة الماضية أثرى العديد من اليمنيين ممن نهبوا معسكرات الجيش وأفرغوها من الأسلحة الخفيفة والثقيلة قبل أن تقصفها قوات تحالف عاصفة الحزم، بحسب مصدر مقرب من القوات الخاصة في تعز. مكاسب سريعة "أثرياء حرب عاصفة الحزم" ليسوا تجار السلاح أو المحتكرين فقط، إذ ظهرت طائفة تمثل قادة رأي ومحللين سياسيين وعسكرين وباحثين وناطقين بأسماء المكاتب السياسية، وكل من امتلك شهرة سريعة من هذه العملية، ممن يشاركون في برامج القنوات العالمية والإقليمية، العديد منهم لم يكن أحد يسمع عنهم أو يعرفهم قبل العملية، أحدهم نتحفظ على ذكر اسمه طالب مغمور، قريب من جماعة الحوثيين، صار يتقاضى 100 دولار في كل استضافة على الشاشة، رغم تهافت ما يقدمه بحسب أكاديمي متخصص في شؤون الإعلام. ويضيف الأكاديمي، الذي رفض ذكر اسمه، أن هؤلاء بعضهم أصبح مثيراً التوتر والكراهية، متعمداً ذلك الأمر حتى تستضيفه هذه القنوات مرات عديدة بسبب شذوذ خطابه وتهافته.ويعتبر الدكتور حمود العودي مَن يتاجرون بدماء وأرزاق اليمنيين مجرمين، قائلاً: "هذه المكاسب غير المشروعة، يفترض أن يحاسبوا عليها ولو بعد حين".