هل الارتباك أمام تداعيات حروب الشرق الأوسط قد بدأ يلقي بظلاله على الاستراتيجية الأمريكية في مسارها الذي يهدف إلى التغيير من خلال رسم مناطق النفوذ التي تحدثت عنها في عدد الأحد الماضي؟ أم أن مشهد كل هذه التداعيات على الأرض قد فرض على جانبه السياسي تحريك الحقائب في توزيع مختلف يتناسب مع معطيات مراحل تلك الاستراتيجية؟ بالأمس قال الجنرال ديفيد بتراوس قائد الجيوش الأمريكية والذي عاد ليتعامل مع الملف العراقي: إن ايران تشكل خطراً على العراق والمنطقة أكثر من داعش.. مشيراً إلى خطر الممارسات الشيعية ضد السنة!!. وهنا نعود قليلاً إلى الوراء. لنتذكر أولاً أن واشنطن هي من فرض الحرب المذهبية منذ إعلان جورج بوش الابن بعد اسقاط صدام حسين.. حين ردد من منبر البيت الابيض قائلاً: إنه "لن يكون في بغداد حكومة سنية" وكان في ذلك الإعلان رسالتين مهمتين..الأولى: تطمين إيران بأنه سيكون إلى جوارها دولة تتعايش معها وتحقق نفوذها بدلاً من الحرب مع دولة سنية.. وفي الرسالة الثانية: العمل على تأسيس صراع مذهبي داخل العراق في تقسيم واضح للشعب في توزيع الخطاب والممارسة..وذلك في الوقت الذي لم يكن الشعب العراقي يطمح إلى أكثر من اسقاط نظام صدام حسين ولم يكن بين منظومات ذلك الشعب أكثر من التعايش السلمي الذي لم يتطرق إلى هوية الحكم في مرحلته الانتقالية, بقدر ما يتطلع إلى التغيير وتحقيق مستقبل من الحكم الرشيد. وعدم اقحام العراقيين في حروب مع دول الجوار وفي مقدمتها إيران التي أنهكت ذلك الشعب على مدى 8 سنوات أعقبها غزو الكويت.. وهي حروب دفعوا ثمن قرارات مغامراتها الكثير من الدماء. بكل تركيباتهم الاجتماعية والعرقية والمذهبية. غير أن إعلان الرئيس الأمريكي مع دخول قواته إلى العراق قد حقق ما كان يريد التدشين له من تأكيد كان قد قاله أيضاً: وهو أن أمريكا سوف تنقل مواجهتها مع الإرهاب إلى منطقة الشرق الأوسط.. وألمح كثيراً إلى العراق!! وبالفعل نجح عراب البيت الأبيض في التنفيذ عندما وجه كل من برايمر وفريق عمله في بغداد لتجهيز و"تسميد" أرض الفتنة. وذلك بدءاً من شرعنة الحكم الطائفي. وشراكة طهران في توزيع الأدوار.. واستلام مفاتيح الإدارة السياسية. مروراً بكل المنعطفات الخطيرة بمشاركة الجنرال في مهمته الأولى وصولاً الى المشهد القائم. واليوم نقف عند تصريح ستراوس الذي رفع "الكرت الأحمر" ضد إيران والشيعة في العراق في موقف مغاير أكد فيه على مناصرة السنة" مع أنه كان شريكاً في التأسيس على مدى الحراك السياسي والطائفي وتصاعد الخلافات التي مارسها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي كان سبباً في ولادة داعش من مدينة "الفلوجة". والسؤال هنا: أليس التصريح الأمريكي تحريضاً واضحاً لزيادة حجم جماعة داعش لمواجهة إيران والشيعة.. وذلك بنفس الطريقة المعاكسة عند بداية وما بعد غزو العراق؟. أم أن ما قاله الجنرال يخاطب مفاوضات النووي الإيراني لمزيد من الضغط على إيران من جهة..والتهديد بالورقة المذهبية من الناحية الثانية لفرض تأجيج الصراع في العراق والمنطقة لصالح الاستراتيجية الأمريكية..وذلك في الوقت الذي تدرك طهران أنها سوف تنتهي لصالحها بعد صفقة قريبة تدور في الكواليس لتنصيب إيران شرطياً جديداً ووكيلاً أمريكياً لرسم الخارطة. وهو مشروع بدأ أوباما يلوح بملامحه في تصريحه أمس الأول. حيث دعا إيران إلى التقارب بين البلدين!!. وهي إشارة إلى أن "الطبخة على وشك النضوج" خاصة أن الجانب الأمريكي بدأ يتحدث عن الدور الإيراني في العراق ولبنان..لكنه لا يتطرق عن الممارسات المعلنة من طهران في اليمن!! فهل الأخير جزء من الصفقة المرتقبة للتقارب؟ سؤال تتوقف إجابته على حجم نجاح التنسيق بين كل من الجنرال الإيراني قاسم سليماني والأمريكي دفيد بتراوس بعد الانتقال للمرحلة الثانية أو بهما معاً!!. قلت في الأسبوع الماضي إنها لعبة الشطرنج الأمريكية!!.