يا من أسميه (أنا).. يا من أُبحر فيه بحثاً عن ذاتي وهويتي المفقودة.. أدمنت معك وجعاً يومياً يحتل من نفسي مساحات شاسعة.. يعصف بي.. يمزقني ويلقيني أشلاءً.. حاولت عبثاً أن أبقى على قيد الحياة أصارع الموج الثائر في بحار عينيك الهادرة وأن أسبح ضد التيار علّني أستطيع الوصول إلى شواطيء جزر أحلامك المنسية.. فتشت عن طوق للنجاة أتشبث به لكنني سقطت في دوامات اليأس.. تجرعت كؤوس وجع غيابك وحدي.. أرتشفها على مهل وأتلذذ بقطرات الألم التي تعتصرني وتسكبني أنفاساً بلون الليل تحترق.. أنتشي بضحكات عابثة زائفة تقاوم إحساسي بالفناء.. معك عرفت أن للألم نشوة فأحببت منك لذة الألم. تنتابني بين الحين والآخر لحظات غضب أثور فيها كالبركان.. أبكي بلا سبب.. أصل إلى حالة من التعب تشبه حالات الهذيان.. تترنح انفعالاتي ما بين صعود وهبوط.. أما أنت فلا تبالي.. تنظر إلىّ وكأني امرأة حمقاء.. لا تعير لغضبي أي اهتمام.. لا تحاول أن تفهم أسباب هذا الغضب.. لا تكلف نفسك عناء إحتواء ثوراتي وتفهم مشاعري.. يزداد اشتعالي.. أشعر برغبة جامحة في تحطيم كل ما تقع عليه يداي.. تضحك بعدم اكتراث.. يعلو صوت نحيب قلبي وبكاء نبضي.. تتكسر أشياء في أعماقي.. تتبعثر شظاياها في جنبات روحي.. تنحسر موجة الغضب وينحسر معها بعض من رصيد مشاعري تجاهك. هنا.. في ذات المكان.. لا زالت تقبع ساكنة في اللامعقول.. خارج حدود الوقت.. حيث لا زمان.. ترتسم ألف ألف علامة استفهام حائرة.. تعلن عن ثورتها.. تردد ما جدوى الأسئلة.. يرتطم الصوت بجدار الصمت.. ويعود إليها كشعاع الضوء المكسور الهارب من أعماق الليل بلا استئذان.. فتظل تدور بين الواقع والأوهام.. يتقاذفها الموج ليلقيها أشلاءً فوق الشطآن.. تبحث عن مرفأ.. عن مرسى.. عن وطن.. عن أرض.. عن عنوان.. وتعود لتغرق في دوامة هذا البحر الثائر.. ترتشف الضجر على مهل يبقيها ثملة كالمخمور تعاني حالة هذيان. اليوم قررت أن أمنح ساعاتي لأي عابر سبيل.. أن أمحوك من ثوانيها وأخوض غمار المستحيل.. قررت أن أزيف ضحكاتي.. أن أبعثر كلماتي هنا وهناك.. قررت أن يكون كل ما أفعله فارغاً من أي معنى.. أن أفتعل اللامبالاة.. قررت أن أشعل الحرائق في طيفك وفي ذاكرتي وذكرياتي.. قررت أن أمزق حروف اسمك الموشومة على جدرانها.. قررت ألا أعيرك بعد اليوم أي اهتمام.. وألا ألقي عليك بعد الآن التحية كما كنت أفعل كل صباح وكل مساء.. وألا أرتل عليك بعد الآن في محرابك حلو الكلام.. قررت مثلك أن ألغي المشاعر من حياتي.. وأزعم زيفاً أن الحب أو اللاحب مجرد قرار. وقبلك كنتُ كزورق يتقاذفه الموج الهادر.. يتكسر فوق الشطآن.. كنتُ أتبعثر أشلاءً على أرصفة الشتات فوق دروب الغربة.. في عالم مغرق في المادية.. في دنيا اللاإنسان.. فاجأني وجهك ذات مساء يطل عليّ من المجهول.. والتقيتك – في زمن التيه - فارساً عربياً آتياً من عبق الماضي.. ومن رحيق الحكايات.. فتحت لك أبواب عالمي المغزول من خيوط الشمس ومن شهد الخيال.. عانقتك روحاً في سماء الحلم.. نقشتك وشماً من ندى الفجر على جدران الذاكرة.. عزفتك لحناً سرمدياً من أهازيج الفرح ومن شدو الحمام.. أسلمتك مفاتيح قصوري ورفعتُ راياتك فوق حصوني.. أعلنتك حاكماً شرعياً.. حاكماً أبدياً على مدينة الياسمين.. توجتك ملكاً فوق عرش الكلمات.. كتبتك بمداد من نور على صفحات أيامي قصيدة حنان.. خلعتُ على أعتاب محرابك كل سنين العمر.. واغتسلتُ في عينيك بماء الطهر وعطر الأمان.. أدركتُ معك حقيقة ذاتي.. محوتُ عني غبار الماضي.. وبدأتُ تأريخاً جديداً لحياتي.. تأريخاً فريداً يعلن في عينيك عن بدء ميلادي. وحين تمر ببالي يتلاشى الحد الفاصل ما بين الحلم واليقظة.. تُختصر كل المسافات والأزمنة.. أغدو طيفاً من نور يسافر عبر أروقة الوقت ليستوطن ذاكرتك ويغلق أبواب الرحيل خلفه.. وحين أفكر فيك تفر اللغة هاربة مني إليك قبل أن أكتبك بحروفي أسطورة حنان. تتوه نفسي من نفسي في ظل فوضى المشاعر التي تعتريني حين تغيب عني. مهما ابتعدت عنك ومهما غبتَ عني.. أعلم يقيناً أنك ستبقى أبداً تحتل مني القلب والعقل والروح والوجدان. ترى ما حال صباحاتك من دوني.. أتراها ما زالت تذكرني.. أتراني ما زلتُ محفورة بين ثوانيها.. أترى الأماني التي داعبت يوماً أحلامنا ما زالت تزهر ياسمينا.. أترى القمر ما زال يعانق شرفات أمسياتك كل ليلة.. أم تراه بات مرتحلاً يبحث عن طيفي في منافي الحنين.. وتلك الذكريات الحيري التي تطل عليك من بين أوراقك المبعثرة هنا وهناك أتراك الآن - في غيابي - أصبحت تنكرها وتنكرني!! [email protected]