عندما تتخذ قراراً بعدم استخدام شبكة الإنترنت، وتبعاً لهذا لن تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي، وستبتعد عن الإعلام الجديد، وأيضاً سترفض استخدام الهواتف الذكية بل جميع وسائل الاتصال الحديثة، فأنت تتخذ قراراً غريباً بحق، وسيجعلك بكل تأكيد في معزل عن العالم الخارجي بل ومحيطك القريب منك. البعض يلجأ لمثل هذا النوع من العزلة الاختيارية لمراجعة رتم حياته، والبعض للتفرغ لبعض الوقت للكتابة والتأليف أو لإنجاز دراسة علمية وغيرها من الأسباب، لكن أن يكون هذا القرار لحياة بأكملها فهنا تكون علامات الاستفهام والتعجب مجتمعة. لكن ماذا لو تطورت الحالة لديك وبت عازفاً عن استخدام الكهرباء والسيارات، وقررت العودة للحياة البدائية، وأيضاً تبعاً لهذا فأنت ترفض العلاج في المستشفيات الحديثة، وبطبيعة الحال لن ترتدي الملابس التي نرتديها، ببساطة متناهية تريد الانفصال عن محيطك وعالمك. الجميع سيسأل: هل أنت في كامل قواك العقلية؟ هل أنت على درجة كاملة من الوعي بآثار مثل هذا التصرف ومثل هذا القرار؟ وهل هذا القرار يشمل أطفالك وزوجتك؟ عندما نفكر على هذا النحو، ندرك كم هو صعب أن ننفصل عن محيطنا، وعن كل هذا الوهج الحضاري الذي نعيش في أتونه، كم هو صعب أن نعزل أنفسنا عن التقنيات الحديثة والحياة الحديثة بكل ما فيها من معارف وأجهزة تدار ببرامج بات اعتمادنا عليها واضحاً وجلياً، ولا يمكن الاستغناء عنها. قبل فترة من الزمن شاهدت فيلماً وثائقياً على قناة (ناشيونال جيوغرافيك أبوظبي)، عن طائفة تسمى الآميش، يعيشون وفق الحياة قبل نحو ثلاثة آلاف سنة، ويحتكمون لقانون قديم صارم يحدد طبيعة حياتهم بشكل مفصل. وصل عددهم لنحو 250 ألف نسمة ويعيشون في مستوطنات في أمريكا وكندا، وهم يرفضون أي محاولة لدمجهم في المجتمعات الحديثة، ويعيشون حياة بدائية، فلا سيارات ولا كهرباء، ولا يستخدمون النقود إلا في نطاق ضيق جداً. كما يظهر.. فإنهم وصلوا لاتفاق مع السلطات الحكومية بأن يتم تعليم أطفالهم، وأن تتاح للفتيات والشباب في مقتبل العمر فرصة اتخاذ القرار .. هل يود أن يعيش في هذا المجتمع المغلق أم الاندماج في الحياة الاجتماعية للعالم بأسره؟ لذا يتم منحهم فرصة للسفر نحو المدينة لرؤيتها والعيش فيها لبعض الوقت، ثم يتخذون قرارهم المصيري. ورغم أن البعض فضّل حياة المجتمع المغلق، إلا أن هناك أعداداً هاجرت وتركتهم، يمكنك أن تنعزل مطولاً لأنك لا تعلم، لكن بعد المعرفة العزلة عبث.