ما أن عمت الفرحة أوساط السودانيين بقرب التوقيع على اتفاق ينهي ماتعارف عليه بقضية المنطقتين ،ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، في المحادثات التي عقدت قبل أيام برعاية الآلية الأفريقية في أديس أبابا حتى نكصت الحركة الشعبية قطاع الشمال على عقبيها مما دعا الآلية لتعليق المفاوضات إلى أجل غير مسمى. وكان البروتوكول الخاص بولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان الموقع في نيفاشا الكينية في مايو 2004م قد نص على تنظيم (مشورة شعبية) فيهما في حين أن الاتفاقية منحت جنوب السودان حق تقرير المصير. وعرف البروتوكول المشورة الشعبية في الفقرة (3-1) على أنها (حق ديمقراطي وآلية لتأكيد وجهة نظر مواطني الولايتين جنوب كردفان والنيل الأزرق بشأن اتفاقية السلام الشامل وللتأكيد على أن المشورة الشعبية لا تعني خيارات أخرى خارج اتفاقية السلام نجد أن الفقرة (3-6) حدت من إمكانية تصاعد المطالب في الولايتين أو أي منهما للمناداة بحق تقرير المصير أسوة بجنوب السودان. وتقع ولاية النيل الأزرق في الجزء الجنوبي الشرقي من السودان تحدها من الشمال الشرقي ولاية سنار ومن الجنوب الشرقي دولة أثيوبيا ومن الغرب دولة جنوب السودان وعدد سكانها حوالي 800 ألف نسمة ينحدرون من عدة اعراق أما ولاية جنوب كردفان فتحدها من جهة الشمال ولاية شمال كردفان ومن الغرب ولاية غرب كردفان ومن الشرق ولاية النيل الأبيض ومن الجنوب دولة جنوب السودان وعدد سكانها أقل من مليون نسمة. إن تدخل أطراف خارجية في قضايا السودان الداخلية بصورة سالبة ووقوفها خلف الحركة الشعبية التي أضافت إلى نفسها مسمى (قطاع الشمال) بعد انفصال الجنوب يعني ببساطة ارتباطها بأجندة أخرى لا تريد الاستقرار لهذا البلد ليظل في دوامة من الصراعات وصولا إلى مرحلة الفوضى وربما التفتيت في مثابرة لا تعرف الكلل ولا الملل كأنما يستصحبون المثل (سهر الدجاج ولا نومه) وإن كان في سهر الدجاج فوائد كما أن (رب ضارة نافعة). عشر سنوات مرت على البروتوكول وفي كل عام تضاف أجندة ومطالب جديدة من قيادات الحركة الشعبية ومن يقف خلفها وما أن تبدأ جولة مفاوضات حتى تنفض دون التوصل إلى اتفاق ويحاول البعض في سعي حثيث لتدويل القضية لينسف كل ما جاء في البرتوكول كما برز إلى السطح تحالف جديد بين الحركة الشعبية وبعض حركات دارفور تحت راية (الجبهة الثورية) لتختلط الأوراق في حين يرى أهل النيل الأزرق وجنوب كردفان أنهم أصحاب القضية والمشورة ولكن يبدو أن انفصال الجنوب لم يحقق كل أهداف أعداء الشمال ولم يضعفه كما تصوروا ولهذا يماطلون وقد استمرأوا التدخل في شؤون الدولة الداخلية، ويبدو أن السودان المستقر بما حباه الله من نعم لا تعد ولا تحصى غير مرغوب فيه من جهات تعرف تاريخه وتدرك تأثيره وتعمل على اضعاف تماسك نسيجه الاجتماعي وتحويل تنوعه الإثني والثقافي والحضاري إلى أدوات تخريب وتدمير وتفتيت.