مع تطور التقنية في العالم أجمع لم يعد من الممكن اخفاء أي خبر أو معلومة إيجابية أو سلبية، وهذا بدوره أثر على دور وسائل الإعلام التقليدي، الذي كان في السابق منبرا لتحسين الصورة الذهنية للجهات الحكومية، لذلك بدأت هذه الوسائل التقليدية مواكبة الحداثة واستخدام التقنيات، و"محاولة" استخدام مبدأ الشفافية، وحق الجميع في إبداء آرائهم. ونتيجة لتغير طفيف لبعض وسائل الإعلام التقليدي في التعامل مع مبدأ الشفافية، ولظهور صحافة المواطن ووسائل التواصل الاجتماعي، التي تكشف لنا غالباً الحقائق في كثير من القضايا الاجتماعية، وقضايا الرأي العام واحتياجات المواطن، نتيجة لذلك اضطرت بعض الدوائر الحكومية والشركات الحكومية والخاصة للتعامل مع المواطن بطريقة حديثة بنسخة غربية محورة! هذه الطريقة بكل صدق نجحت في الغرب ولم تنجح في الوطن العربي بل وفي الشرق الأوسط، ألا وهي "الشفافية" وجعل المواطن شريكا في اتخاذ القرار، بعد وصول صوته عن طريق الإعلام بوسائله الجديدة والتقليدية، ففي الدول المتقدمة صوت المواطن يصل للبرلمان، وتناقش قضاياه ليس قضايا أعضاء البرلمان! وصوت المواطن يطرح بكل شفافية في الصحف بأنواعها، والقنوات الفضائية المتعددة، فيثير الحكومة والجهة المعنية ليحصل الحراك المطلوب، وتتخذ قرارات عاجلة قبل الردود الإعلامية. أما في الشرق الأوسط وبلاد العُرب ما بقي منها ككيانات فلا يصل منها إلا ما يقبل طرحه في البرلمان، حتى لو كانت قضية تمس احتياج جميع المواطنين، وفي الدوائر الخدمية على اختلافها تحال القضايا العاجلة والطلبات والتظلمات إلى موظف بيده وضعها في درج مكتبه، أو تحريكها بعد فك قيود المسوغات والتعقيدات، التي يفرضها على أبناء بلده، وفي الحالات الحرجة التي تصل إلى الإعلام، فالمسؤول يبادر إلى تحريك قوافل اللجان لتحرير تبرير إعلامي أو نفي صحافي أو وعود بمتابعة القضية، التي ستصبح جزءا من التاريخ. جزء من طريقتنا في الشفافية العربية هو تمييع القضية وخلخلة الشكوى، وتعقيد طلبات المواطنين، وعلى سبيل المثال لا الحصر، تقوم الجهات الخدمية كلها تقريبا بوضع موقع إلكتروني على الإنترنت وحسابات لها وللمتحدث الرسمي في أهم وسائل التواصل الاجتماعي، والهدف منها تعريف المواطن بحقوقه وواجباته، وكذلك نشر أخبار تلك الجهات في حرص شديد على تقديم الجديد والوصول إلى أكبر شريحة من المجتمع، وتجد في هذه المواقع الإلكترونية أيقونة "اتصل بنا" أو "صوت المواطن" أو "شكوى" وهذا من باب الشفافية! إلا أن التعامل مع هذه الطلبات والشكاوى يختلف في البلاد الديمقراطية عن البلاد العربية، ويختلف من دائرة حكومية إلى دائرة أخرى، ويختلف من شركة حكومية إلى شركة خاصة، فالتعامل لدينا بمبدأ الشفافية والحقوق حسب ميزان القوى، فالمسؤول القديم يستطيع ما لا يستطيعه الجديد، والمواطن الواصل يصل صوته ويأخذ حقه كاملا، أما المواطن العادي فعليه بالصبر والبحث عن البديل! وزارة المياه مثلاً لديها موقع إلكتروني وأيقونة "اتصل بنا" و"صوت المواطن" ومن خلالها يمكنك التواصل مع الوزير أو أحد وكلائه أو أي مديرية تريد، لكن السؤال: هل تحل شكواك أم تحال إلى شركة المياه؟ هل يتم الرد عليك إيجابياً، أم يصلك رد آلي برفض الشكوى؟ وبعد آلاف الشكاوى والتظلمات بعدم وجود مياه في بعض أحياء الرياض العاصمة! ما الفائدة من الشفافية، وأين حق المواطن؟! والله أعلم https://twitter.com/SultanShehri