اختتم مؤتمر مكةالمكرمة الخامس عشر الذي عقدته رابطة العالم الإسلامي بعنوان "الثقافة الإسلامية .. الأصالة والمعاصرة" برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - امس أعماله، حيث أشاد المشاركون في المؤتمر بكلمة خادم الحرمين الشريفين، عادينها من وثائق المؤتمر الأساسية. كما أشاد المشاركون بجهود المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الحكيمة في جمع كلمة المسلمين، والحرص على تضامنهم، وإبعادهم عن الطائفية المقيتة، والتخفيف من الأزمات التي يمرون بها، وجهودها في محاربة الإرهاب والتطرف والغلو، داعين الدول الإسلامية إلى الاقتداء بالمملكة في الاهتمام بالإسلام عقيدة وشريعة، والعمل بأحكامه، والانفتاح على الأمم والشعوب الأخرى، بما لا يتعارض مع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، حاثين الأمة الإسلامية قادة وشعوباً إلى التعاون العملي في مواجهة الإرهاب والتطرف والطائفية، والاستفادة من تجربة المملكة الرائدة في ذلك . وأكد المؤتمر خلال أعماله على أن الثقافة بمعناها الجامع تشمل المعتقدات والأحكام والأخلاق والمعارف والمُثل والتقاليد والمهارات والسلوك، التي تعد القوة الحافزة للبناء الحضاري والإبداعي في مناحي النشاط الإنساني. وأوضحوا أن للثقافة الإسلامية أعظم الأثر في حياة الشعوب الإسلامية، وزيادة إيمانها، وتقوية صلتها بربها، وترسيخ الأخلاق والمثل الكريمة فيها؛ وفق تعاليم الدين الحنيف في تحقيق كرامة الإنسان والتسامح والعدالة، وأن الثقافة الإسلامية تتميز بالاجتهاد والإبداع في شؤون الحياة في إطار الضوابط الشرعية والقيم الخلقية لحضارةِ الإسلام، والمعبِّرة عن هوية الأمة وخصائصها التي حافظت عليها على الرغم من تغير الأحوال واختلاف الظروف. وشدد المشاركون في المؤتمر على أن الثقافة الإسلامية ربانية المصدر، إنسانية الهدف، ذات منحى عالمي يتخطَّى المجال المحلّي والإقليمي، ليشمل الشعوب التي دخلت في الإسلام، فتمازجت وانصهرت وفق هديه القويم؛ فأضحت ثقافتها ثقافة رشيدة ثرية قادرة على التواصل مع غيرها من الثقافات ، وبناء جسور التعايش والعمل المشترك نحو تحقيق السلم العالمي، والاستفادة من منجزات الحضارة الحديثة في صالح الإنسان. وأشاروا إلى أن الضعف والفتور، الذي يعتري الأمة المسلمة في الوقت الحاضر لا يعبر عن تاريخها الحضاري، فقد نجحت الأمة تاريخياً في الإنجازات الحضارية والانفتاح الإيجابي على الحضارات الأخرى، مستفيدة من تواصلها معها وأفادتها؛ بما أهّل الأمة المسلمة لريادة الحضارة الإنسانية، مما أسهم في بناء الإنسان، وفق منهج إصلاحي متكامل، مؤكدين على أنها قادرة اليوم على الاستفادة من الإنجازات المعرفية الإنسانية، وترجمتها إلى واقع تنموي ينهض بالمجتمعات والدول المسلمة ضمن ضوابط الإسلام . كما أكدوا أن الحوار الثقافي ضرورة إنسانية للتواصل بين شعوب الأرض، والتعاون في حماية مبادئ الحق والعدل وتحقيق التسامح وترسيخ ثقافة العيش المشترك، ومعالجة المشكلات، التي تنشأ عنها النزاعات والحروب، كذلك شددوا على براءة الإسلام من ثقافة العنف والإرهاب والغلو، التي تنتشر بسبب الجهل بالإسلام والابتعاد عن أحكامه وقيمه الحكيمة الداعية إلى التّوازن والاعتدال، محذرين من تطاول أدعياء العلم وافتئاتهم على الإسلام، وتغريرهم بأبناء المسلمين، مبرزين أهمية العلم والعلماء الربانيين والرجوع إليهم في مختلف النوازل . وأوصى المؤتمر خلال بيانه الختامي المؤسسات الإسلامية والثقافية إلى تعميق وعي المسلمين بضرورة تطبيق الإسلام الصحيح في حياتهم - طاعة لله - والمحافظة على الهوية الإسلامية، والاعتزاز بالانتماء إلى الإسلام، بمفهومه الشامل، والتأكيد على أثره في تعزيز القيم الروحية والأخلاقية، وصون كرامة الإنسان بدليل قول الله تعالى (( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثيرٍ ممن خلقنا تفضيلاً ))، موصين كذلك على تثقيف الناشئة بالثقافة الإسلامية الصحيحة . ودعا إلى التعريف بحضارة الإسلام ومنجزاتها العلمية والتربوية والثقافية وتأثيرها الإيجابي في الحضارات الأخرى، وإبراز المفاهيم والقيم الإسلامية، التي تزداد الحاجة إليها في ظل طغيان الحياة المادية، وبيان أثرها في تصحيح السلوك وتحرير الإنسان من ربقة الوثنية والخرافة والجهل، وإنقاذ المجتمعات من التخلف الفكري، والانحراف الأخلاقي، والتفكك الاجتماعي، والقصور المعرفي، وتجلية موقف الإسلام من قضايا العصر وعلومه وما جد فيه، ودراسة الأنظمة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المعاصرة، وتقويمها وفق المنهاج الإسلامي . كما دعا بيان مؤتمر مكةالمكرمة إلى صياغة العلوم الإنسانية والاجتماعية في الأمة الإسلامية وفق منهجية إسلامية واعية، وتنقيتها مما علق بها من تأثير الثقافة الوافدة والاتجاهات المادية المتعارضة مع الإسلام، ومراجعة البحوث والدراسات المتعلقة بالثقافة الإسلامية في الجامعات، والتجديد فيها بما يراعي حاضر العالم الإسلامي والتحديات التي تواجه الأمة. وطالب بالاهتمام بنشر اللغة العربية باعتبارها الوعاء الجامع للثقافة الإسلامية، والتوسع في إنشاء معاهد ومؤسسات تعتني بتدريس علومها، وتشجيع الترجمة من العربية وإليها، والسعي إلى جعلها اللغة الأساسية في البلدان الإسلامية، وتعليم العلوم النظرية والتطبيقية بها، وتشجيع استخدامها في البرمجة الحاسوبية والتكنولوجيا الحديثة . وأوصى بتوزيع ترجمات معاني القرآن الكريم باللغات المختلفة، على المسلمين وغيرهم، والتحذير من الترجمات غير الصحيحة، وتشجيع ترجمة المضامين الثقافية في الكتب والإنترنت والمعروض منها على الفضائيات، إلى اللغات المختلفة وإعداد منهج جامع لمادة الثقافة الإسلامية، ودعوة رابطة الجامعات الإسلامية إلى التعاون مع الجامعات على إنجازه، وتدريسه، وترجمته إلى اللغات الحية، إسهاماً في نشر ثقافة تتفق منطلقاتها ومخرجاتها مع أسس الإسلام . ودعا البيان إلى تقديم المنح الدراسية لأبناء المسلمين، وإنشاء المعاهد والمدارس التي تحصنهم بالعقيدة الصحيحة والسلوك القويم. واقترح وضع إستراتيجية شاملة للثقافة الإسلامية، تجتمع عليها الأمة المسلمة، وإصدار موسوعة معرفية عن الثقافة الإسلامية ومقوماتها وأهدافها وتحدياتها، يشترك في إعدادها صفوة من العلماء والباحثين المتخصصين في مختلف المجالات، ودعوة رابطة العالم الإسلامي إلى تكوين فريق متخصص لذلك بالتعاون مع الجامعات والجهات المتخصصة وحشد الطاقات للتعريف بالثقافة الإسلامية، والذود عنها، وتشجيع المبادرات الفردية والجماعية لزيادة المحتوى الثقافي الإسلامي على شبكة الإنترنت. ودعا المؤتمر في بيانه المنظمات والمؤسسات الإسلامية المعنية إلى الاهتمام بمواجهة تحديات الثقافة الإسلامية بمختلف الوسائل، واستشراف المستقبل الثقافي بدراسة واقع المسلمين، في مجال الفكر والسلوك والحركة الحضارية، وتشخيص عللهم وأدوائهم، وبيان مواطن الخلل فيها، وسبل تقويمه وفق النهج الإسلامي، لتكون الأمة المسلمة قوية قادرة على مواجهة التحديات ، والتأثير في الأحداث الراهنة والتعاون والتنسيق بين مختلف الجهات المهتمة بالثقافة الإسلامية، في تطويرها ونشرها، وزيادة اهتمام المختصين بها . كما وجه البيان بدراسة الموضوعات الجوهرية المتعلقة بالعصر، والاستفادة من مخرجات العولمة المعاصرة فيما لا يتعارض مع أحكام الإسلام، ووضع الخطط التي تحقق الأمن الفكري للأمة، والتصدي للتحديات بوسائل متجدّدة ترتكز على أسس الثقافة الإسلامية، وتطوير الخطاب الإسلامي، ليكون قادراً على حماية هوية الأمة وذاتيتها الحضارية من آثار الانفتاح على عالم يعج بالأفكار والثقافات وإقامة شراكة مع مؤسسات الإعلام ومراكزه في العالم التي تدعم القضايا الإسلامية، ووضع الخطط للتعاون المشترك لمواجهة تيارات العولمة ذات الاتجاه التسلطي. وحذر من الإعلام السلبي على شباب الأمة، والعمل على تحسين القدرات الإعلامية في الشكل والمضمون، والمشاركة الواعية على أسس إنسانية وأخلاقية، ليكون إعلاماً ملتزماً بالحق، عاملاً على تحقيق مصالح الأمة المسلمة، وتقويم أدائها الحضاري، من أجل تعزيز القيم الروحية والإنسانية والأخلاقية، وتعزيز ثقافة السلام والعيش المشترك. وفي ذات الجانب دعا المؤتمر الدول الإسلامية إلى دعم المؤسسات الثقافية في العالم لرصد الحملات الإعلامية على الإسلام، ومعرفة دوافعها، ووضع استراتيجيات مناسبة للتصدي لها، وتصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام والمسلمين، ليتعرف العالم على مبادئه العظيمة، ومواجهة حملات "الإسلاموفوبيا"، التي تشوه الإسلام والمسلمين، والتعاون في تحقيق النهضة الإسلامية الشاملة، التي تستهدف الخروج من التخلف والضعف إلى الشهود الحضاري من خلال الاعتناء بالتعليم، والتربية، والتثقيف، وزيادة الإنتاج، ورفع الكفايات، ومحاربة الجهل والأمية، والربط بين العلوم الشرعية والعلوم التطبيقية، في التنمية وتأهيل المجتمع، وتشجيع المسلمين على الاستثمار الجيد والمنهجي لتقنيات الاتصال بأنواعها المختلفة، وتعزيزها بالمحتوى الثقافي الهادف، الذي يسهم في تحقيق مصالح الأمة، ويتصدى لموجات الغزو الفكري، ويحصن الناشئة من غوائل الإفراط والتفريط . ووجه الدعوة للجامعات والمؤسسات الثقافية في العالم الإسلامي إلى تعزيز مفاهيم الوحدة بين المسلمين، وذلك بالتمسك بثوابت الإسلام الجامعة، والتعاون في إزالة أسباب الشقاق والفرقة بين المسلمين، التي تؤججها الحزبية والطائفية والقومية التي تضعف الوحدة الثقافية بين المسلمين. وأكد البيان الختامي للمؤتمر على أهمية ربط الأجيال بالثقافة الإسلامية في جانبها الشرعي ، وبالعلماء الراسخين لضمان سلامتها من الانحراف، والإفراط أو التفريط، وتقوية الشراكة بين الجهات المعنية بالنهضة في الأمة المسلمة، وتعزيز التعاون في البرامج الثقافية، ورعاية المسابقات والجوائز الحافزة على الإنتاج الثقافي، ودعم المنظمات العاملة في نشر الثقافة الصحيحة. وطالب بإنشاء كراسي علمية لنشر الثقافة الإسلامية، وتقديم صورة حقيقية عن الحضارة الإسلامية ومنجزاتها في شتّى المجالات، والتعريف بما يكتنزه الإسلام من أحكام تستنقذ البشرية من دائها، وتشجيع العقول المسلمة المهاجرة في نشر الثقافة الإسلامية، والإسهام في بناء التنمية المستدامة في البلدان الإسلامية، موصياً إلى إقامة مؤتمر عالمي متميز وفي أقرب وقت، يعنى بمكافحة الإرهاب، وإبراز واجب العلماء والمثقفين المؤهلين في بيان الإسلام الصحيح، والتحذير من خطر الانحراف عن وسطيته إلى الإفراط والغلو أو التفريط. وفي الختام رفع المشاركون الشكر لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، ولولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز آل سعود - حفظهم الله -، على جهودهم في دعم الثقافة الإسلامية، وما تقدمه المملكة من خدمات للحجاج والمعتمرين, وما تبذله من جهود في توسعة الحرمين الشريفين والمشاعر, وما تقدمه من دعم لرابطة العالم الإسلامي في تحقيق أهدافها ورعاية برامجها . كما شكروا صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبدالله بن عبد العزيز أمير منطقة مكةالمكرمة على اهتمامه بالرابطة ومناسباتها وضيوفها، فيما وجهوا شكرهم لسماحة المفتي العام للمملكة العربية السعودية رئيس المجلس الأعلى للرابطة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ على ما يبذله من جهود لتحقق الرابطة أهدافها، منوهين بما تقوم به الرابطة من جهود، باهتمام ومتابعة معالي الأمين العام لها الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي، في الاهتمام بالقضايا الإسلامية، الذي يدعو لمزيد من العناية بالثقافة الإسلامية وعقد ندوات ولقاءات متخصصة في شؤونها في الدول الإسلامية وبلاد الأقليات المسلمة .