الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيا أيها الإخوة الكرام الأحبة، ويا أحباب رسول الله ، لقد آلمنا ما سمعناه من تعرض جنود الأمن للقتل واستباحة دمائهم في منفذ الوديعة ومدينة شرورة، في ذلك الحادث الإرهابي الذي لم يراعِ حرمة هذا الشهر الكريم، ولا حرمة يوم الجمعة، ودل على براءة الإسلام من هذا العمل الشنيع، نسأل الله عز وجل أن يتقبل شهداء الواجب ويلهم أهلهم وأبناءهم الصبر والسلوان. إن رجال الأمن مسلمون وموحدون ومصلون وصائمون، ولهم أجرٌ عظيمٌ - إذا صدقوا مع الله تبارك وتعالى - ؛ فعن عن أنس بن مالك ? قال : سئل النبي عن أجر الرباط فقال : (من رابط ليلة حارساً من وراء المسلمين كان له مثل أجر من خلفه ممن صام وصلى). كتب الله له أجرهم لأنهم يحرسون المصلين الصائمين، العابدين والعابدات، والصائمين والصائمات؛ يحرسونهم في بيوتهم، في أعمالهم، في أموالهم، في مساجدهم، فلهم أجر معهم كما قال . وإن القتل من أكبر الكبائر وهو ما وقع فيه هؤلاء المتطرفون الإرهابيون والله تبارك وتعالى يقول : ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم، خلداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً من يجرأ بعد أن يسمع هذه الآية أن يتساهل في دماء المسلمين، ويتساهل في دماء المؤمنين إلا إنسانٌ ضَعُفَ إيمانه فلذلك ما عاد يعبأ بآياتٍ ولا بأحاديثَ لرسولنا . قال عليه الصلاة والسلام: (لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مؤمن بغير حق ولو أن أهل سماواته وأهل أرضه اشتركوا في دمِ مؤمنٍ لأدخلهم الله النار ) هذا في مؤمن فكيف بمن لا يكتفي بقتل مؤمن واحدٍ بل يقتل مصلين مؤمنين بالله وبرسوله وبكتابه وبأنبيائه وباليوم الآخر، ثم ألا يكفي هذا القتل الذي نراه كل يوم على شاشات التلفاز، وعبر المجلات والجرائد ؛ الذي يحدث لإخواننا المسلمين في فلسطين، وسوريا، للمسلمين الأبرياء حتى من النساء والأطفال، والعجزة والكبار، حتى نرى مَن هو من جلدتنا، ويساعد أعداء الله، ويفتك في هذه الأمة، ألا يكفي هذا القتل ؟! وتلك الدماء التي استباحها الكفار ؟! وهم كفارٌ عَجَّلوا بهؤلاء الشهداء إلى الجنة،ولكن ما بال هؤلاء الذين يدعون الإسلام يفعلون فعلهم وفي هذا الوقت الذي تسفك فيه هذه الدماء التي أصبحت رخيصة على أعداء الله، ولكن الله تبارك وتعالى بالمرصاد، الله بالمرصاد لأولئك الطغاة المجرمين الذين استباحوا دماء المسلمين، وهو أيضاً بالمرصاد لهؤلاء المتغطرسين الذين يتبعون أهوائهم بغير علم، فيقتلون إخوانهم المسلمين فإن الله تبارك وتعالى لهم بالمرصاد . روى البخاري عن جرير قال : قال لي رسول الله في حجة الوداع : ( استنصت الناس) ثم قال : (ألا لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) . وكذلك سعى هؤلاء المتطرفون إلى الإخلال بالأمن ؛ قال الله تبارك وتعالى مذكراً بنعمة الأمن : لايلاف قريش الافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي اطعمهم من جوع وامنهم من خوف نعمة يمتن الله بها علينا، بعد أن ذكر منة بيت الله الحرام، ونعمة الدين ونعمة الطعام والشراب : الذي اطعم من جوع وامنهم من خوف فتأتي هذه الشرذمة لتقضي على هذا الأمن، هذا هو هدفها وهذه غايتها ؛ أن يضطرب الأمن، وأن ينفك زمامه ؛ لا وفقهم الله تبارك وتعالى . لهذا القصد ولهذا المراد يقول النبي في ما رواه البخاري في الأدب المفرد : ( من أصبح آمناً في سربه، معافاً في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حِيزَتْ له الدنيا بحذافيرها) نعمة الأمن لا تُعادِلُها نعمة إلا نعمة الإسلام، هي من أعظم النعم التي أنعم الله بها علينا .وإن من صميم عمل هؤلاء الجنود ؛ حفظ الأمن كما ذكرنا، والذي لو انفرط لقتل الآلاف من الناس، وهذه البلاد من حولنا التي انفرط فيها الأمن نسمع ونرى كل يوم كم يقتل فيها بسبب قلة الأمن، فهؤلاء الجنود سبب بعد الله تبارك وتعالى لحفظ هذا الأمن كم قبضوا على لصوص أرادوا سرقة المسلمين، وعلى مجرمين أرادوا قتل الناس، كم وفقهم الله تبارك وتعالى لذلك، إذاً : مسئوليتهم عظيمة وخطيرة وجسيمة . أيضاً مما وقع فيه هؤلاء الإرهابيون : الغدر : وهو ليس من صفات المؤمنين بل من صفات المنافقين، فالمنافق خائن وغادر . عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال : (إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة، يُرفعُ لكل غادرٍ لواء فقيل : هذه غدرت فلان ابن فلان ). يشهَّر به أمام العالمين . والغدر لا يجتمع مع الإيمان كما قال : (لا يجتمع الكذب ولا الغدر في قلب مؤمن أبداً) صفة من صفات المنافقين، يباغت الذين يسعون للأمن ويحافظون عليه فيأتيهم من ورائهم فيقتلهم . أيضاً : إن قتل هؤلاء الجنود ليس قتلاً لهم فقط، إنما هو قتل لأزواجهم، قتل لأبنائهم، قتل لآبائهم، الذين يقومون على رعايتهم، فهؤلاء الجهلة الذين يقتلون الجنود وحُرَّاس الأمن ؛ لا يرون مَن وراء هؤلاء الجنود من الأُسَر، من الأطفال الصغار الذين لا ذنب لهم، من النساء المؤمنات الصالحات العابدات اللواتي لا ذنب لهن، من الآباء والأمهات الذين يدعون لأبنائهم في الليل وفي النهار، وينتظرون مساعدتهم وعونهم مادياً ومعنوياً، فيأتي هذا الغادر فيضيع ذلك الأب وتلك الأم وذلك الابن وتلك البنت، واليتم أمره عظيم وصعب فهو ضياع إلا من رحم الله تبارك وتعالى، وقد قال النبي : (أنا وكافلُ اليتيم كهاتين في الجنة ) مع الرسول في الجنة، لماذا حتى لا يضيع الأبناء، لأنه لو ضاع هؤلاء الأبناء ضاع المجتمع وتضرر الناس، وكبرت البلوى، ولكن هؤلاء الجهلة لا يدرون ماذا يفعلون ؟! لا يدرون ماذا يعملون ؟! . ونسوا أيضاً : أنهم يعرضون أنفسهم لدعاء هؤلاء وغيرهم من المؤمنين، فتلك المرأة التي قتل زوجها، وذلك الشاب الذي قتل أبوه، وتلك الأم والأب الذين قتل أبناؤهم ؛ لا شك أن دعواتهم عند الله تبارك وتعالى مستجابة، أفلا يخشى هؤلاء الجهلة من دعواتهم ؛ أن يقوموا في جوف الليل ويرفعوا أكف الضراعة أن ينتقم الله منهم في دنياهم وأخراهم، ويضيعوا أنفسهم دنيا وأخرى . يقول النبي : (دعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء ويقول وعزتي لأنصرنَّكِ ولو بعد حين ) عرضوا أنفسهم لدعاء المؤمنين الذين يسألون الله أن يديم الأمن في بلادهم، وأن يقطع دابر المفسدين، وان يقطع دابر الذين يسعون بالفتنة في بلاد المسلمين، عرضوا أنفسهم لتلك الدعوات وهي سهام وسلاح فتاك لا يستهين به إلا جاهل . إن مثل هذا العمل يزيد في فرقة المسلمين، وهذا مكسب لأعداء الإسلام، هم الذين يشمتون عندما يروا مثل هذه الأمور، يتألم المسلم ويفرح الكافر والفاجر والظالم وعدو هذا الدين . قال الله تبارك وتعالى : ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم . وفي الحديث الحسن قال عليه الصلاة والسلام : (عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليزم الجماعة) بل نحن مأمورون ليس بترك الفرقة فحسب ؛ بل بوحدة الصف، واجتماع الكلمة، لتكون كلمة واحدة قال صلى الله عليه وسلم : واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا الأمة اليوم مدعوة أكثر من أي وقت مضى إلى اجتماع كلمتها، والله لو اجتمعت كلمة المسلمين لانهزم أعداؤهم في اللحظة التي يجتمعون فيها، ويتفقون فيها، ويتحدون فيها ؛ هي نفس اللحظة التي ينهزم فيها أعداء الله تبارك وتعالى، ويسقط فيها المحاربون لدين الله تبارك وتعالى، والمؤذون للإسلام والمسلمين.