يطرأ على الساحة الشعرية بين فينة وأخرى أشخاص يرتدون زياً يقال بأنه محيوك من الثقافة، ويزين بشيء من المعلومات المتناثرة هنا وهناك بدعوى أنهم نقاد. طبعاً أستثني منهم النقاد الحقيقيين والذين حضروا شهادات الدكتوراه في الأدب والعلوم الإنسانية وغيرها من الجوانب التي تؤهلهم لتذوق النص الأدبي وتحليله وأبعاده كافة. وأعني في حديثي أولئك الأطفال الصغار الذين شاء القدر لهم أن يمسكوا القلم ويخطوا الكلمات التي تفتقر في بعض الأحيان لأبسط قواعد الكتابة الأدبية ومعانيها. وقد لفت انتباهي حقاً ما يكتب من أشباه مقالات وتتقاسمه بعض صفحات الشعر الغريبة، لأنها في الواقع لاتشكل أدنى درجة من النقد الصحيح أو الموضوعي، ومع ذلك فإن هناك مساحات شاسعة تفرد من أجلها وكتابها. وكم يؤسفني حقاً أن أجد تلك المقالات (اللانقدية) وهي تتحدث عن البانطلون الجينز الذي ارتدته الشاعرة الفلانية، أو عن المكياج الذي أكثرت منه الشاعرة الأخرى في إحدى أمسياتها، وربما كتب المقال اللانقدي عن علاقة الشاعر الفلاني العاطفية، أو بانتماء الشاعر الآخر القبلي أو المذهبي أو غيره .. لماذا ياترى ترتكز تلك المقالات على القشور وتتناسى اللب الأساسي؟.. وهو النص الأدبي الذي يهم القارئ أن يتعرف على جوانبه وتفاصيله. نحتاج حقاً لنقد يحمل مواصفات العملية النقدية السليمة، بعيداً عن الشخصنة .. إذ أذكر بأن أحد الأصدقاء قد قال لي (إذا قرأت مقالاً نقدياً لا داعي لإكماله حتى تتعرفي على المنتقد .. فقط إبحثي عمن يكرهه الناقد). ضحكت حينها على نصيحته الذهبية، ولكني آمنت بها في مرحلة أخرى عندما وجدت بأن الناس حقاً قد بدأت تنتقد من لا تحبه أو تفضله بدلاً من أن تنتقد من تحبه وتوجهه نحو بيئة أدبية أفضل في ظل وجود أدوات نقدية ملائمة! فلننتقد من أجل التحسين والتطوير، ولنبتعد سوياً عن النقد بغرض البغض والكراهية فهو لن يزيد ساحة الشعر والأدب إلا سوءاً وتعباً .. كونوا كالحمام الأبيض وانشروا الحب والسلام دائماً.