كان يوم السبت - قبل الماضي -.. يوماً أغراً سعيداً.. في حياة (جدة)، وبين أهلها وسكانها.. عندما أعلنت منظمة (اليونسكو) في ذلك اليوم – الثالث والعشرين من شهر شعبان الجاري.. الموافق للحادي والعشرين من شهر يونيه – عبر (لجنة حماية التراث العالمي).. التابعة لها: اعتماد ضم (جدة) التاريخية.. إلى (قائمة التراث العالمي)، الذي يتوجب حمايته والحفاظ عليه..؟ وقد جاء (الإعلان) في وقت لم يكن يتوقع فيه أكثر المتفائلين تفاؤلاً.. ب (حدوثه)!! وبإجماع أعضاء (اللجنة) في دورة انعقادها الثامنة والثلاثين في العاصمة القطرية (الدوحة).. ما بين الخامس عشر والخامس والعشرين من شهر يونيه الجاري!!- برئاسة رئيسة الدورة الأميرة شيخة المياسية.. شقيقة أمير دولة قطر -.. بهذه (البساطة) و(السلاسة) بعد كل تلك الأخبار المحبطة، التي كانت تتسرب همساً.. في كثير من الأحيان، وعلناً.. في القليل منه، وهي تتضارب حول تقديم (ملف) جدة ل (اليونسكو) من عدمه.. مرة! أو سحبه بعد تقديمه.. لصالح منطقتي (مدائن صالح) و(الدرعية) اللتان تقدمت الهيئة العامة للسياحة والآثار.. إلى (اليونسكو) بطلب تسجيلهما ضمن قائمة (التراث العالمي).. مرة أخرى!! أو سحبه مرة ثالثة.. بعد كارثة سيول جدة الثانية عام 1432ه/ 2011م.. حيث تزامنت زيارة وفد (اليونسكو) الاستطلاعية ل (جدة) مع وقوع الكارثة.. فكان لابد من التعجيل بسحبه.. حفاظاً على (فرصة) جدة التاريخية في الانضمام ل (قائمة التراث العالمي الإنساني).. وليس تفويتاً لها إن كان تراخياً وإهمالاً أو قصداً!! وإلى أن أطلع أخيراً.. مدير العلاقات العامة ب (هيئة السياحة والآثار) – في رده على مقال نشرته في غير هذا المكان – حول (النجاح المحرج) الذي حققه مهرجان جدة التاريخية في شهر مارس الماضي – الأخ ماجد الشدي –.. الرأي العام على أنه تم تقديم (الملف) لليونسكو.. في يناير الماضي، وأنه سيجرى التصويت النهائي عليه في شهر يونيه الحالي، وهو ما حدث فعلاً.. وإن سبقته حملة تلقائية مشكورة مقدرة من دول أعضاء في اللجنة، تعرف (جدة) وقيمتها التاريخية والمعمارية، ودورها ك (ملتقى) حضارات على الشاطئ الشرقي للبحر الأحمر.. ك (الهند، ومصر، وتركيا، ولبنان، ودولة قطر).. ليتم الإعلان عن ضم جدة التاريخية إلى (قائمة التراث العالمي) وتتحقق ل (جدة التاريخية) ربما لحظتها القدرية الخامسة.. التي كانت أولاها وأعظمها عندما اختارها ثالث الخلفاء الراشدين وصاحب الهجرتين إلى الحبشة.. من مرفأ (الشعيبة): عثمان بن عفان رضي الله عنه.. لتكون ميناءً ل (مكة)، وكانت ثانيتها.. عندما تصدت بحصنها العسكري الذي بناه حولها ب (أبراجه) و(دشمه) وجنده السلطان المملوكي (قنصوه الغوري) عام 923ه - 1517م.. لصد العدوان (البرتغالي) عن الموانئ الإسلامية (جدة والسويس والإسكندرية ودمياط)، والذي كان يحرض عليه بابا الفاتيكان آنذاك (نيكولاس الخامس).. أمير البرتغال ب (ضرورة إخضاع الشعوب والأقاليم التي يسودها حكم أعداء المسيح) مع وعد منه ب (العفو عند حساب اليوم الآخر، والفوز بالجنة)!! وكانت ثالثتها.. عندما أقامت بريطانيا العظمى – آنذاك – أول علاقة دبلوماسية مع الجزيرة العربية عام 1216ه - 1802م بافتتاحها أول قنصلياتها في جدة، وكانت رابعتها.. عندما قدم إليها عام 1230ه - 1814م أعظم الرحالة الأوروبيين المستكشفين.. السويسري: (جون لويس بيركهارت)، وأقام بها وفي مدن الحجاز إجمالاً عاماً بطوله.. فعرَّف بها وبتفاصيل حياتها العالم الغربي أجمل وأدق وأشمل تعريف عبر الجمعية الجغرافية الملكية البريطانية، التي اعتمدت كتابه (رحلات في شبه الجزيرة العربية).. كأهم وأدق مراجعها عن الجزيرة العربية، لتأتي لحظة هذا الانضمام إلى (قائمة التراث العالمي).. لتكون اللحظة (الخامسة) الفارقة في حياتها، فليس قليلاً أن تحظى مدينة ب (شرف) هذا الانضمام!؟ فهو اعتراف ب (المكانة)، وتقدير ل (القيمة)، و(إنصاف) ل (التاريخ) الذي صنعه الآباء والأجداد.. بإقامة ذلك النسيج المعماري الباذخ والفريد والذي يتوجب الحفاظ عليه لتطالعه وتتأمله وتتعلم منه الأجيال المتعاقبة.. جيلاً بعد جيل..! وقد كان جميلاً أن تحتفل محافظة جدة، ومحافظها الأمير مشعل بن ماجد.. بالتنسيق مع (الهيئة العامة للسياحة والآثار) ورئيسها الأمير سلطان بن سلمان وبالتعاون مع (أمانة محافظة جدة) وأمينها الدكتور هاني أبو راس.. ب (يوم) إعلان انضمام (جدة) التاريخية إلى (قائمة التراث العالمي) وسط حضور (رسمي) كبير و(أهلي) متقاصر.. بعد ثمانية وأربعين ساعة من إعلانه في العاصمة القطرية (الدوحة).. وفي قلب المنطقة التاريخية، وفي (واسطة) عقدها: بيت نصيف.. الذي سكنه الملك المؤسس عبدالعزيز، طيب الله ثراه، خلال سنوات حكمه الأولى في الحجاز.. إلى أن انتقل إلى (القصر الأخضر) في حي العمارية والذي بني خصيصاً له.. وإلى أن انتقل أخيراً إلى (قصر خزام) الفاره والفريد ببنائه وبوابته ومرتقى عربات ضيوفه، والذي تعثر مشروع ترميمه وامتداده الحضاري إلى (بوابة مكة) أو باب مكة.. لسنوات، رغم أن الأمير فيصل بن عبدالله وزير التربية والتعليم السابق فيما بعد، وأحد عشاق جدة التاريخية الكبار ومحبيها.. كان يقف وراءه؟! وقد تحدث في الحفل نجوم إنجازه الرئيسيين الثلاث: الأمير سلطان والأمير مشعل وأمين المحافظة د. أبو راس.. عن الجهود التي بذلوها مجتمعين ومتفرقين – من خلال مواقعهم الرسمية ومسؤولياتهم الوظيفية وربما حماسهم الشخصي – لإعداد (ملف) تقديم جدة التاريخية ل (لجنة التراث العالمي) باليونسكو، والذي على أساس جودته، ودقته، ودرجة إقناعه لأعضاء لجنة (التراث العالمي) ب (اليونسكو).. يتم ضم (الموقع) إلى (قائمة التراث العالمي).. أو لا يتم..! وللحقيقة.. فإن ل (ملف) جدة التاريخية.. قصة طويلة، بدأت مع الاستشاري (روبرت ماثيو) في أوائل الثمانينات الماضية، والدراسة الإحصائية التفصيلية التي قام بها عن (جدة القديمة) وموجوداتها، والتي شكلت فيما بعد قاعدة بيانات ل (الملفات) التي تم تقديمها عن منطقة جدة التاريخية.. تباعاً، ثم مع الدراسة التي رُفعت لمجلس الوزراء عن (مدائن صالح والدرعية وجدة التاريخية).. تمهيداً للتقدم بطلب ضمها إلى (قائمة التراث العالمي) لدى (اليونسكو)، وإلى أن تم مؤخراً تقديم الملف الأول عن منطقة جدة التاريخية عام 2010م.. بعد صدور القرار السامي، إلا أنه جرى سحبه.. لاستكماله على نحو يحقق الهدف من تقديمه ل (لجنة التراث العالمي) التابعة ل (اليونسكو).. إلى أن تم تكليف الهيئة العامة للسياحة والآثار بإعداد (ملف) متكامل عن (جدة التاريخية)، حيث جرى التنسيق بينها.. وبين (أمانة جدة).. على تشكيل (فريقين): أحدهما من (الأمانة).. والآخر من (السياحة والآثار).. لإعداده على نحو دقيق متكامل.. حيث ضم فريق (الأمانة) كلاً من: الدكتور عبدالقادر عثمان أمير.. مساعد الأمين للتخطيط الاستراتيجي والمشرف العام على إعداد (ملف) التسجيل وممثل الأمانة في اللجنة، والمهندس عبدالمجيد بطاطي – مساعد الأمين للبلديات الفرعية -، والدكتور عدنان عدس – مستشار الأمانة -، والمهندس طارق الغربي، والمهندس سامي نوار – رئيس بلدية المنطقة التاريخية آنذاك –، والدكتور صادق جفري، بينما ضم فريق هيئة السياحة.. كلاً من: الدكتور علي الغبان، والمهندس محمد العيدروس، والدكتور حسن حجرة والدكتور فيصل الفاضل والأستاذ حمد الإسماعيل، والأستاذ محمد العمري.. مدير فرع هيئة السياحة والآثار في جدة، وقد عمل الفريقان معاً.. بإخلاص المحبين ل (جدة التاريخية)، وحماس العاشقين ومنهجية الباحثين، وقد أصبح إعداد (الملف).. هو (همهم) وقضيتهم، ونجاحه.. قبولاً، هو (جائزتهم)، وقد تمت مراجعة (الملف) من قبل الدكتور عبدالقادر.. قبل إرساله إلى (لجنة التراث العالمي) في يناير الماضي.. ليتم تدعيمه ب (ملف إلحاقي) في شهر فبراير الماضي، ومع ذلك نُسي.. كل هؤلاء الجنود الذين صنعوا "ملف" النجاح والانضمام إلى قائمة التراث العالمي.. (تخصيصاً)، وإن ذًكروا.. (تعميماً)، وفي الحالين.. فقد تخطت معظمهم "دعوات" حضور الحفل ذاته، أما من دُعي منهم.. فقد كانوا اثنين: أحدهما في ذات يوم الحفل.. والآخر قبل ساعة من بدء فعالياته!! ولكن قد يعزيهم أن حالة النسيان – أو التناسي – هذه.. قد امتدت لتشمل أميري المنطقة السابقين (ماجد) و(عبدالمجيد)، اللذان عملا كثيراً وطويلاً.. من أجل العناية ب (جدة التاريخية) ومنطقة مكةالمكرمة عموماً.. بإخلاص وحب لم ينسيا لهما إلى يومنا هذا.. فلا غرابة أن ينال هؤلاء – بعد ذلك – حظهم من النسيان أو التناسي..!! ومع ذلك.. فرحت جدة ب (إعلان) انضمامها ل (قائمة التراث العالمي).. في تلك الليلة، ورقص مزمارها.. كما رقص موجهاً.. إلى منتصف الليل. على أي حال.. فإن فرح مسؤولو جدة وسكانها وأهلها.. ب (نجاح) انضمام منطقتها التاريخية ل (قائمة التراث العالمي)، وإن تكرر أو تعدد – كما أسمع – من قبل جمعياتها المعمارية ولجانها التراثية.. لابد وأن يذكِّر الجميع ب (مسؤولية) ذلك (الانضمام) وتبعاته.. بل وحراجته إن تقاعسنا فيه، ف (اليونسكو) التي قبلت (ملف) جدة التاريخية، وأعلنت – على أساسه – ضمها ل (قائمة التراث العالمي)، ستتابع واقعها ومشاريعها وخططها – التي تحدث عنها "ملف التقديم" – في الحفاظ على معمارها وبواباتها وطرقاتها وبرحاتها ب (نسيجها) المعماري الفريد.. من خلال تقارير (بينالية) تقدم ل (لجنة التراث العالمي) كل عامين.. عبر مندوبي اللجنة، وهو ما يدعوني.. لأن أناشد أولاً: (غرفة جدة التاريخية الصناعية) أن تضع أفكارها التي قدمها رئيسها (الشيخ صالح كامل) في حفل افتتاح مهرجان جدة التاريخية في شهر مارس الماضي.. موضع التنفيذ: ترميماً وتطويراً وتمويلاً، وأن أناشد (ثانياً) القادرين من أهالي وعوائل جدة، وما أكثرهم وأقدرهم.. من أمثال (باناجة) و(باعشن) والشربتلي و(أبو زنادة) و(المغربي) و(الزينل) والجمجوم و(أبو زيد) و(علي محسن) والبترجي والناظر والمتبولي والكيال.. بترميم دورهم الفارهة التي تحتل أجمل مواقع المنطقة التاريخية، والتي كنا عندما نمر بجوارها – في الزمانات – نغبط سكانها.. فقط لأنهم يقيمون في تلك الدور والمنازل التي تدير الرؤوس ب (جمالها)!! إن تبعات الانضمام ل (قائمة التراث العالمي).. لا تقع على عاتق الدولة وحدها وإن كان عليها أن تتحمل الجزء الأكبر منها (وفاءً) ل (جدة) وتاريخها وولائها.. ولكنها تقع أيضاً على القادرين من أبنائها، ف (الحب) ليس كلاماً يقال أو سطوراً تكتب.. ولكنه (ضريبة) يدفعها المحبون عن طيب خاطر، وقد جاء وقتها.. بعد أن التفت العالم ل (جدة) ومنطقتها التاريخية. جدة/ 29 /8 /1435ه 27 /6 /2014م.