من هذا – الشباك – الذي نطل منه على ذكريات مضت وقد حرصت على أن تكون لأناس قد كانت لي معهم مواقف مباشرة لا عن شخصيات لها مكانتها الفكرية والأدبية ولكن لا يوجد لهم مواقف معي شخصياً، لهذا أسجل اعتذاري إن أنا لم أذكرهم. ثانياً هذه الذكريات - عن الذين رحلوا إلى بارئهم وليس عن من يعيشون معنا متعهم الله بالصحة والعافية وطولة العمر. هناك .. أناس يدخلون في – جوانيتك – قبل أن تخاطبهم أو هم يخاطبوك لما لهم من – جاذبية – تجعلك قريباً منهم .. فما أن تقترب منهم حتى يملأك شعور طاغي بأن لك علاقة قديمة بهم بذلك الاحساس المرهف الذي هم عليه – وبذلك الهدوء الطاغي على مسلكهم والرقة في تعاملهم انك في كثير من الاحيان تسأل لماذا انجذبت إلى هذا ولم انجذب إلى ذاك مع أنهما يكادان يكونان في مستوى واحد من الحضور لديك لكن سرعان ما يحضرك ذلك الحديث النبوي الشريف: إن الارواح جنود مجندة ما تآلف منها ائتلف وما تخالف منها اختلف. فتعود إلى قناعتك بأن لأحدهما قوة جذب أكثر من الآخر : كنت أراه من البعيد بذلك السمت – الصامت – الذي كان عليه. كان رجلاً وقوراً تراه يسير في سمته المهيب وهو يدخل إلى المسجد النبوي الشريف قاطعاً المسافة بين باب المحكمة حيث يعمل نائباً لرئيسها وبين المحراب ليؤم الناس في الصلاة – له صوته المميز الرقيق حيث يتردد صداه في جنبات البلدة الطاهرة وبالذات في صلوات التراويح في ليالي رمضان. عندما كانت بيوتات المدينة متلاصقة. كان رجلاً له من الصفات الكثير في معالجة قضايا الناس، يساعده على ذلك معرفته السريعة بالبلدة وأهلها ومعرفة تقاليدها وعاداتها لكونه عاش فيها وهذه إحدى مزايا القاضي الذي يكون عاش في نفس البلدة لكونه ينطلق في حكمه من شمولية النظرة للقضية المطروحة أمامه فيعطي حكمه صوابية العدل مع الرفق على عكس القاضي الذي يأتي من مدينة بعيدة عن ثقافته المجتمعية,لا يعرف مفردات أهلها ولا صيغ حواراتهم ولا قضاياهم التي تكون بينهم والتي تجعله يعطي حكماً سليماً .. لقد عاش الشيخ بداياته في حاراتها واختلط بأهلها فكان واحداً منهم فاصبحوا أهله وأصبح هو أحد أخلص أبنائها كان هادئاً في حركته وله نظرته في كثير من الأمور التي يعيش في وسطها أو تعيش حوله وكان له رأيه الذي يطلقه في سهولة الواثق بما يقول ويؤمن به .. وكان سريع البديهة بل وقول النكتة أو الطرفة العفيفة التي لا تخدش الحياء وهي التي تنم عن احاطته بما يدور في زمنه وأنه ليس بعيداً عما يدور حوله. ذات يوم وكان يسكن في عمارة الأوقاف التي كانت بجانب المسجد النبوي الشريف من الجهة الشرقية أن ذهبت إليه مع معالي الشيخ أحمد صلاح جمجوم حيث كان يشكو من مرض بسيط ألم به للاطمئنان عليه فبعد أن أخذنا أماكننا في ذلك الصالون البسيط وبعد حوار كان يجري بينهما التفت إليّ قائلاً: إن شاء الله "الشغل ماشي طيب". قلت الحمد لله ثم التفت إلى معالي الشيخ أحمد صلاح جمجوم وكان مدير عام مؤسسة المدينة للصحافة قائلاً في لفتة كريمة: خلو بالكم منه إنه أحد أبنائنا. وكنت يومها أعمل في جريدة المدينة. عجبت لهذه اللفتة التي لم أكن اتوقعها منه لأنه لم يسبق لي أن التقيت به وجهاً لوجه ولم يجعل حيرتي تطول حيث واصل قائلاً: إنني أتابع ما تقوم به من عمل وأنا اعتبرك ابناً لنا .. إن – أنور – يعني ابنه الدكتور أنور عبدالمجيد دخل في هذا المجال يعني الكتابة في الصحافة – ولكن عن طريق كتابة القصة وبعض المواضيع. حقيقة لقد سعدت بهذا الكلام الذي اعطاني قناعة بشمولية نظرته للأشياء. ومتابعته للوسط الصحفي وما يدور فيه. لقد كان أحد الرجالات القريبين من الخير البعيدين كل البعد عن الشر وأهله. رحم الله فضيلة الشيخ عبدالمجيد حسن الجبرتي الذي وافاه الأجل المحتوم في عام 1418ه رحمه الله وأسكنه فسيح جناته. علي محمد الحسون