يندرُ أن توافق الألقاب في هذا العصر أصحابها إلا ما ندر ، وما دفعني لهذا القول إلا شاعر " العصافير والنوارس " الأنيق حرفاً وخلقاً ، هو بكلّ بساطة يمارس صورته الحقيقيّة التي يختفي وراءها ، ليبرزها كما هي دون افتعال أو إيهام ، هي لغته التي أجبرت الجميع على الوقوف أمامها بإعجاب ، فليس بالتقليدية الماضويّة المكررة ، وليست بالحديثة الغامضة المبهمة ، هو يقف على وتر ٍ حسّاس جداً ، بل ( جدا .. جدا ) ، وحسبي أنني لا أجامل على حساب الشعر ، إذ يبقى أحد الصور الحقيقيّة التي تمارس ذاتها دون بروزةٍ أو مكيجةٍ للإبداع الذي يحتويها ، حتى حين كتب عن الشيخ أحمد ياسين أو عن أبو عماّر كان لا بد وأن يحضر بالزيتون والتين والزعتر ، هو كشاعر خطير جدا ، حين يتماهى مع مفردته المغزولة بأطرافه قلبه،ليكتبها " لوحةً فاتنة " بسحر " الطبيعة " . حسّ الناقد الشفاف كنت ولا زلت أرى أن الناقد قبل كل شيء " متذوّق جريء " ، وهو الأمر الذي ينطبق على " شاعر العصافير والنوارس " ، فهو يجيد اقتناص الفكرة الجميلة ، والصورة الجميلة ، ومع ذلك يملك من الشفافية ما يجعله يحمل همّ التجربة البكر والحديث ، تلك الذي تبذر أولى ملامحها في تربة الشعر ، وقد لمستُ مثل هذا الاحساس وهو يحاكي " الأسماء المبتدئة " ويشجعها بفكر شاعر حقيقيّ ، صورته الشعرية أسمى من أن يطلق عليه ( شاعر ) ليتباهى به . ومع ذلك هو يملك ذات الشفافية المطلقة في تقبّل النقد أو الرأي الآخر تجاه نصوصه ، رغم ثقته بما يكتب ، أو على الأقل تقديره لما يبوح به ، إلا أنه حين يستمع للرأي الآخر لا يلبث أن يعيد تشكيل الصورة بشكل أجمل ، وهو الأمر الذي يفتقده أغلب شعراؤنا " المشاهير " . أبوس إيدي تعجبني فيه ملامحه الفنيّة في اقتناص الصورة ، فله من الأبيات ما يغري على الاعتراف بأسبقيّة الصورة أو تشكيلها على الأقل ، فهو القائل ( لو ما لسانك عسل ما سوّره نابك ) ، فهذه الصورة من النادر جدا اصطيادها بهذه الفنيّة المتقنة ، ومنتهى الرومانسية في قوله : ( أبوس إيدي من أول ما لمست إيدك إلى هالحين ) وهذه المبالغة العاطفية في هذا القول ، وقوله : ( مناجل ضوّ ) كأحد أبرز عناوين نصوصه التي شكلّت الحضور الفنيّ للنص العاميّ الحديث . بكل أمانة وحيادية ، فإن هذا المبدع لم يكن بحاجة إلى إشادة أو شهادة من أخ أصغر له ، بقدر ما هي محاولة لأن أقول الحقّ في حضوره ، لا سيما وأنه أحد الذين لا يختلف عليهم " اثنين " ، وهذا أمرٌ في حدّ ذاته مدعاة لأن يشكل شاعرنا ( خالد المسعودي ) هذا الحضور الواعي والمثقفّ بدرجة أعلى مما تقف عليه الساحة الشعبية الآن . كان للساحة واجب أن تقول له بكل حياديّة وإنصاف : ( شكرا يا خالد لأنك ما زلت بيننا ) .