في حدث أدبي هو الأول من نوعه وتجسيداً للتعاون بين الثقافتين الفرنسية والأمريكية، احتضنت باريس مهرجان كتّاب العالم الذي نظمته المكتبة الوطنية فرانسوا ميتران وجامعة كولومبيا الأمريكية بالتعاون مع صحيفة "لوموند"، حيث أعطت الفعاليات التي امتدت بين يومي 21 و24 سبتمبر الجاري، فرصة غير مسبوقة لعشاق مختلف أشكال الإبداع الأدبي لمناقشة قضايا عديدة في ظل حضور حوالي ثلاثين كاتباً وكاتبة عرفوا بتنوع تجاربهم، وهو الأمر الذي برر مصداقية الشعار الذي اختاره منظمو المهرجان ألا وهو "الأدب التعددي". من أبرز الأسماء التي راهن عليها المنظمون لضمان أكبر إفادة نوعية، الكندي ريتشارد فورد والفرنسيات سيسيل ميناردي وماري دارسيوك وكاترين مييه وفيرونيك أوفالديه وديفد غروسمان وغيرهم من مصر وفلسطين وإيرلندا واليونان وكندا. وقد تطرق المشاركون في اللقاءات والندوات والورشات إلى قضايا الترجمة والمنفى والهوية في علاقتها بالصراعات السياسية المتزايدة، واللغة والحداثة، وأثر العولمة على الكتابة والنشر والقراءة في زمن التقنيات الحديثة، ودور الأدب والقصة القصيرة والرواية المرسومة والشعر في القصة والكاتب والسياسة والأدب، والاقتباس السينمائي. وكان من بين أهم الفقرات التي شعر الجمهور بأهميتها اللقاءات المباشرة مع النقاد والجمهور، ومن بينها تلك التي تحدث فيها ريتشارد فورد الذي أصدر مؤخراً في باريس رواية "كندا" وهو صاحب جائزتي بوليتزر وبان فولكنر، عما أسماه الانزلاق من الحالة العادية إلى مثيلتها غير العادية واختراق كل الحدود الفيزيائية والميتافيزيقية. ولم يكن مهرجان كتّاب العالم الذي انعقد في دورته الأولى ليعكس حقيقة التسمية التي أطلقت عليه، لولا تأثير دعوة الكاتبين الكبيرين الألماني غونتر غراس والمكسيكي كارلوس فوينتاس اللذين طالبا عام 1981 بتأسيس تظاهرة أدبية عالمية تكسر تداعيات الحرب الباردة التي تسببت في أدب ثنائي التوجه، بينما الإبداع الحقيقي لا يتحقق إلا بتنوع أدبي تعددي يتعدى المستوى الأيديولوجي ليعانق البصمات واللمسات والإضافات القائمة على التشكيك والسخرية والتسامح والتعبير الشفاف والأصيل. وقد التقط الكاتب فانسان ميساج الدعوة ليجسدها في كتاب "روائيون تعدديون" الذي صدر عن دار ساي مؤخراً وكان ثمرة بحث أكاديمي. كما سبق لفانسان (29 عاما) أن لفت انتباه النقاد عام 2009 بروايته "الساهرون". جدير بالذكر أن تاريخ علاقة باريس بجامعة كولومبيا الممثلة للطرف الأمريكي المنظم يعود إلى عام 1784 بعد تعيين أول بروفيسور في اللغة الفرنسية في الجامعة الأميركية المرموقة، أي قبل خمسة أعوام من تاريخ اندلاع الثورة الفرنسية، وهذا ما يفسر الأهمية القصوى التي يفردها مسئولوها لتدريس الثقافات والآداب الفرنسية وسعيهم لجلب أكبر عدد ممكن من الطلبة الفرنسيين، على حد تعبير مدير المركز الأوروبي لجامعة كولومبيا بول لوكلير في حفل الافتتاح.