بعد قراءتي لكتاب "الاتجاهات الجديدة في الشعر العربي المعاصر" الذي تناول الحداثة في الشعر العربي، ومفهوم الشعر الثوري المعاصر عند الشعراء المجددين الثوريين الداعين الى التطلع نحو آفاق واسعة، رحبة، ولكن بنظرة اعجمية غامضة لما حولها هالني ما قراته وشدني نحو التأني في استيعابه وفهم مغزاه البعيد الواضح، التراث، التراث، كلمة شغلتهم كثيرا، حيث اعتبروه الحجر العثرة التي تقف في طريقهم نحو التجديد والابتكار، وقد تعجبت لما قرأت لهم من آراء حول هذه المسألة، سيما من قبل يوسف الخال الشاعر الحداثي الذي لم يكتف بالثورة على التراث والقيم والمبادئ الاسلامية، والعربية الاصيلة! بل قدم افتراءاته وتجنى على الحضارة الإسلامية، وثقافتها الانسانية الراقية، وما صدر هذا منه الا لينبئ عن ضحالة فكره، وقلة مادته الثقافية، وانقطاع صلته ونسبه بتراثه العريق. وكيف يقبل من مثل هذا دعوته نحو التجديد والثورة في الشعر العربي المعاصر، وهو القائل افتراء وبهتانا: ومن سوء حظ الاسلام ان الذين فسروه واجتهدوا فيه، لم يكونوا من صميم هذه الحضارة، بل كانوا على هامشها، لذلك لم تدخل ضمن هذه الحضارة الإنسانية، ولم تتفاعل معها ولم تطبعها بطابعها، بل على العكس، ظلت غريبة عنها فناصبتها العداء، حتى هذا التاريخ!! ومشكلة المسلمين اليوم هي وقوفهم ضعفاء امام ورثة الحضارة الاقوياء في كل شيء فيما لم تنهض في الإسلام عقول متفتحة على الحضارة الإنسانية الواحدة!، فإني لا ارى للمسلمين ولا للعالم الإسلامي الا ذلك المصير المظلم. وكم نشر التضليل في الناس كاتب ونادى الى الالحاد في الناس شاعر وقد ابهجني رد احد الباحثين عليه - منير العكش - في معرض هذا الكتاب بقوله: "ان هذا الكلام ينطوي على مغالطات تاريخية او تجاهل للحقيقة، تقول: ان الحضارة الإسلامية لم تتفتح على الحضارات فيكفي ان اقول لك: ان اوروبا نفسها عاشت اكثر من ثلاثة قرون على فهم ابن رشد لارسطو، وانه لولا العرب لبقيت معظم حضارات العالم القديم فخارا او حجرا. ويقول احد الادباء الغربيين، وفي قوله رد ضمني على آراء يوسف الخال - كما يقول المؤلف: لنرجع الى التاريخ لماذا هب هذا الاعصار القادم من الشرق وانتشر بمثل هذه السرعة العظمى من بحر الصين الى المحيط الاطلسي؟ ان العامل الحاسم هو ان العربي قد جلب معه اشكالاً اعلى في مجالات التنظيم الاجتماعي وحتى الاقتصادي، ولذا نجده يحظى بقبول الجماهير. ويقول كاتب آخر مفندا في حديثه المنصف ما قاله يوسف الخال الذي ظلم الحضارة الإسلامية ايما ظلم، وهذا لا ينبع الا من شخص حاقد فاقد الهوية، والذي ليس له هوية واصل وماهية فهو في عداد المنبوذات والمهملات في العرف السائد، يقول: "ان انتعاش اسبانيا لم يأت من الشمال حيث القبائل البربرية، بل من الجنوب مع العرب الغزاة،، ويقول عن الحضارة العربية: ما كادت تنشأ حتى استطاعت ان تمثل افضل ما في اليهودية وفي العالم البيزنطي وقد جلبت معها التقليد الهندي العريق، وآثار الفرس وكثيرا من الامور المستمدة من الصين الغامضة. انتهى فأين قول هذا الحداثي المعاصر المثقف من قول هؤلاء الغربيين وهم اولى بالعداء والاقصاء لحضارة الآخر منه! ولكن اذا كان هذا هو التجديد الثوري الذي تطالبون به، والذي يحارب القيم والمبادئ والعقيدة، ولا يرى الا بعين واحدة، ولا يؤمن بالحداثة ويدعو اليها الا بقدر ما يؤمن بنبذ التراث والقيم العربية الاصيلة فلا اهلا ولا سهلا به. اذ تكشف لنا ان الحداثة ما هي الا مظلة لحقيقة آرائهم البغيضة الحاقدة، والتي تجر وراءها الويلات والفتن يا من تدعون الى النظرة المستقبلية الحرة؟ يقول مؤلف الكتاب في خاتمته: "ولعل مما يلفت النظر ان يكون الشعراء المعاصرون الرواد للاتجاهات الجديدة من الاقليات الدينية والعنصرية في بلادنا العربية وهؤلاء دعوا الى التخلي عن التراث وان لم ينفصلوا عنه، وهللوا لكل دعوة معارضة او فرقة خارجة او ثورة مارقة في التاريخ العربي والإسلامي، وعدوها مع كل ما تبعها من ادب، عناصر ابداع، ورحبوا بالاتصال بالثقافة الغربية اتصال العود بالجذور، وليس اتصال الشجرة بعنصر نماء وروي. ثم قال: ولست هنا بصدد اتهام الرواد بالقيام باي دور مشبوه ضد العروبة او الاسلام، ولكن المجال مفتوح امام الباحثين لدراسة العلاقة بين الاتجاهات الجديدة المعاصرة والدوافع السياسية والدينية التي يزخر بها عصرنا الحاضر، انتهى وقفة،، لاحظت في هذا الكتاب أن بعض القصائد ذات النسق الحديث غامضة غموضا عجيبا! نعم انا اؤمن بان الانسان احيانا تأتيه حالة اللاشعور - كما يقول ادونيس - فيمسك بالقلم ولا يعي هو ماذا يكتب وإنما يفرغ الشحنة المختزنة في داخله - كما يقولون - وقد يحدث هذا لكل انسان يكتب، يقول صلاح عبدالصبور: "هناك شيء في نفوسنا حزين، قد يختفي ولا يبين، لكنه مكنون، شيء غريب، غامض، حنون" ولكن ان يصل الامر الى هذا الغموض المبهم! شوق محمد عبدالحميد العرماني - المدينة المنورة