تُعرف الموهبة بأنها: " الاستعداد الفطري لدى المرء للبراعة في فن ما "،وهذه القابليّة الفطرية يجب أن يوازيها استعدادًا لصقل هذه الموهبة وتطوير مفهومها ،وآلية عملها من الموهوب من جهة والبيئة التي يعيش فيها من جهة أخرى حتى يجني المجتمع بأكمله من ثمارها اليانعة .والكتابة بلا شك إحدى هذه المواهب وتحتاج أن تُسقى بالقراءة والاطلاع على تجارب مختلفة حتى يتكوّن لدى من يملك هذه الملَكة مع الوقت أسلوبه الخاص وخطّه الذي يُعرف به ،فيتمكن من اقتباس وتقمص مشاعر الناس وتجاربهم والكتابة عنها ،فليس من المنطقي أن ينكفئ على نفسه وتكون جلّ حروفه من تجاربه الخاصة خصوصًا أن الكتابة موهبة تخوّل صاحبها ليتبنّى مواجع الآخرين، ويتحدّث عنها كأنّها مواجعه.والشعر فرع من فروع فنون الأدب والكتابة، وهو سيّدها عند العرب وكغيره من الفنون يحتاج إلى صقل موهبة الشاعر من خلال القراءة والاطلاع وإن توفّرت فصولٌ دراسيّة تُعنى به وتُقدمه بشكلٍ جيدٍ فلماذا لا ؟. أنت لا تستطيع أن تستصلح أرضا للزراعة تنبت الكلأ والعشب يوما ما وهي غير صالحة في حقيقتها.. كذلك الإنسان الذي ليست له ميولٌ شعريّة وموهبة فطريّة لن تستطيع أن تستخرج منه الشعر مهما علّمته ..كل ما ستحصل عليه أن تجعله على دراية بالبحور والتفعيلات التي يقوم الشعر على بنيتها التحتيّة ،بالإضافة إلى تقنيّة في كيفيّة استخراج الجماليات في القصيدة أو ماقد يقدح فيها من عيوبٍ ..أي أنك تخلق منه ناقدا - هذا إذا كان عنده استعدادّا لهذا - وخيرُ شاهدٍ على صقل الموهبة بالعلم والاطلاع الإمام محمد بن إدريس الشافعي الذي دعم موهبته الشعريّة بالتعلّم فيقول عن نفسه: "إني خرجت من مكة، فلازمت هذيلاً بالبادية، أتعلم كلامها، وآخذ طبعها، وكانت أفصح العرب، أرحل برحيلهم، وأنزل بنزولهم، فلما رجعت إلى مكة جعلت أنشد الأشعار، وأذكر الآداب والأخبار" . أما القول الذي تتناقله الناس عن أبي تمام "احفظ 1000 بيت حتى تصبح شاعرًا "لا يُقصد منه هذا المعنى على حقيقته ،المقصود من كانت لديه الموهبة إذا حفظ 1000 بيت صقل موهبته وتربّع على عرش من المفردات تتناسل في محاضن شعوره وتجربته ،ولو كان كل من قرأ الشعر أو كان على دراية أو دراسة أصبح شاعرًا لرأينا الدكتور عبدالله الغذّامي يصدع بالشعر ليلًا ونهارّا، هو يتعامل مع الشعر ك ناقدٍ ليس ك شاعرٍ وليس بمقدوره أن يكون كذلك في يوم من الأيام . أخيرا: أعتقد أن الشعر شاعرٌ بذاته ،والشاعر جاهلٌ بذاته لهذا على الشاعر أن يتوخّى الحذر ويكون على المامٍ كافٍ بالشعر أثناء التوغّل في ميادينه حتى لا يُقبّح الجميل ويستحسن القبيح دون معرفة شموليّة تنطلق منها أحكامه وحروفه.