لعل من يخالف مبدأ تحسين الحياة والسعي نحو الأفضل هم من يقولون إن "القناعة كنز لا يفنى" وفي الغالب من يقتنع بهذا القول هم الفقراء والبسطاء من الناس الذين لا يحاولون أن يغيروا أي شيء في حياتهم , وأكثر من يرددها عليهم هم الأغنياء حتى يبقى الفقير فقيراً في مكانه والغني يزداد غنى , فالبحث عن الأفضل والأجمل لا يعني أن الإنسان غير قنوع ، فالحياة عبارة عن ميدان كبير للتنافس والبحث دائماً عن الأفضل . إن تجربة المثل الصيني "بيت من القش نضحك فيه أفضل من قصر واسع نبكي فيه" تنبعث من تجربة مريرة لا يريد من عاشها أن يقع فيها غيره , ولكن ترديد لغة الرضا والقناعة بتصوير بيت القش على أنه يمكن أن يكون أفضل من القصر الواسع ما هي إلا محاولة لثني النفوس عن البحث عن ذلك القصر الواسع وامتلاكه ، فمن يضحك في بيت الفقر لا بد وأنه أبله ساذج قد بلغ مرحلة متقدمة من السذاجة وأما من يبكي في قصر واسع فهو غالباً ليس صاحبه فإما أن يكون ضيفاً في هذا القصر أو أنه قد حصل عليه بطريق غير مشروع , فلو أُعطي الإنسان ما طلب فلن يكفيه مال قارون وسيطلب المزيد ولن يقتنع بما لديه. كم هم عدد هؤلاء الأشخاص الذين يقتنعون ببيت القش ويضحكون في الفقر ويتقاعسون عن السعي إلى امتلاك قصر واسع يمكن أن يضحكوا فيه إلى آخر العمر. لا شك أن القنوع يجلب إليه الكثير من المصائب ؛ لأن الكل يحاول تقليل حصته من هذه الحياة على مبدأ أنه قنوع ويرضى بأي شيء وهكذا يقضي عمره في حالة عوز مادي ونقص عاطفي وإحساس بألا شيء في هذه الحياة يستحق المكافحة "فالقناعة كنز لا يفنى" ، فبينما يرى أصدقائه ممن هم أقل منه ذكاءً يعتلون المناصب في هذه الحياة ويظفرون بأرقى الوظائف يدق في داخله سؤال محيّر : كيف استطاع هؤلاء كسر كل الحواجز التي وضعها الآخرون أمامه وتحولت حياتهم إلى أحسن بكثير مما يستحقون حسب معيار "القناعة كنز لا يفنى" . إن من يتهيب صعود الجبال ستكون نظرته دائماً للأسفل وسيعيش طوال حياته بين الحفر ويوهم نفسه أن "القناعة كنز لا يفنى" ولعل ما قاله الشاعر "صدق أو لا تصدق .. القناعة كنز يفنى" هو تصوير حقيقي وليس خيالياً فلقد خدعونا كثيراً بأن "القناعة كنز لا يفنى".. - همسة : كن قنوعاً واقبل كل ما يأتي إليك دون جهد أو تعب فالقناعة كنز لا يفنى .. منصور عبدالله الزهراني