1- يتحرك الزمان فتتحرك وتتغير معه القناعات والمفاهيم والقيم والعادات والتقاليد والذائقة والطموحات وأهواء النفس.. ومن تلك الأمور التي تحركت فتغيرت هي مفهوم الكثيرين للقناعة.. فإذا كانت القناعة في الأزمنة القديمة تعني الثروة والكنز الذي لا يفنى.. فهي تعني اليوم الفشل.. فالقناعة أصبحت أحد تعريفات الفشل.. فهي تعني الوقوف والاستهلاك مما لديك والانتظار ثم التراجع والاندثار لا التقدم والصعود.. كما تعني الإحباط والهجوع والارتخاء والتخلف وفقد الطموح واعتيادية الأداء والالتزام بالسائد.. وأخيراً تعني الاستلقاء على القفا وترك أمواج الحياة تقذف بك حيث تريد لا حيث تريد أنت. 2- رغم أنّ القناعة قيمة عالية في حياة العامة من الناس، إلا أنها طوال تاريخ البشر تتعرّض إلى هجاء ونقد الخاصة منهم.. فحينما لا تطلب المعالي فأنت قنوع.. وحينما تكتفي بما لديك وتتوقف عن السعي للكسب فأنت قنوع.. وحينما تتحاشى التفرُّد فأنت قنوع.. وحينما ترفض التغيير فأنت قنوع.. وكل هذه من صفات الفاشل. 3- يكفي القناعة من الذم أنها عذر الكسول والعاجز.. ونصيحة الغيور الحاسد.. ومبرر الفقر والتخلف.. ودعوة المتآمر الذي لا ينوي لك الخير.. وهي الدافع للقبول بالقليل.. والمسوغ للتنازل عن المستحق.. مشكلة القناعة أنها يمكن أن تسجنك داخل نفسك، فلا تدري بالمحيط وتقطع صلتك به وتعيش وهماً وخيالات.. هي بفائدة المخدّر لكن ليس لها فائدة في الحياة لك ولا لمن حولك. 4- يدافع القانعون عن قناعتهم بأنه غنى النفس.. أو الرضا بما لديه.. أو أنه يسعى إلى السعادة الروحية لا المادية.. أو أنه زاهد وسعيه للدار الآخرة مع أنه لا يعمل لها.. أو أنه متواضع يحب المتواضعين.. فالقنوع لديه ألف مبرّر ومبرّر.. المشكلة هي حينما يستمرئ الاستقرار في القاع باسم القناعة. 5- القانعون يرفضون التغيير لأنه يخيفهم.. فهم مع قبولهم بالقليل المحدود لا يثقون في قدرتهم على مواجهة التغيير والمحافظة على ذلك القليل.. فليس لدى القنوع طموح لذلك هو قاطع للأمل.. وكل ما يمكنه عمله هو صرف عمره حتى يموت.