نفسي .. يا من حملتي شقائي وفرحي ها هي الأيام تمضي بي وبكِ إلى حيث النهاية الحتمية ، النهاية التي طالما تجاهلناها وكنتِ تقولي دع عنك مصارعة الأحزان فالعمر ما زال مخضراً كغصنٍ لم تغادره الأطيار . واليوم والمسافة قد قصرت ، والأحلام قد شاخت وتساقطت ماذا أنتِ قائلة ؟ سامحيني بعد كل هذا العمر إن خذلتكِ ولم يستطع هذا الجسد المتصدع الوقوف معكِ على مشارف الحياة وزخرفها . سامحي زهدي وخشيتي وإيابي وتعالي إليّ لتمسحي قلقي وحزني وحيرتي . نفسي .. يا رفيقة دربي والغروب قد دنا من مفرق الرأس أتذكر كل قسوتي وبطشي وهوان الناس علي ، وأشاهد في الأفق قصاص مؤلم ، ودموع تُذرف ، وهوان يجعل اللحم يتفسخ .. فالله أرجو أن يتجاوز عني وعنكِ بعمل ضئيل صنعته في لحظة خوف منه لا يعلمه إلا إياه .. بدمعة صادقة قطعت مسيرة وجهي خالصة بلا نفاق أو رياء . آه يا نفسي .. ها أنا أنيخ راحلتي على باب ما تبقى لي من فتات الحياة والدهر يغرس مخالبه في جسدي يبعثر سكينتي ووجهي لم يعد وجه مقيم . دعيني ابلل طهري العائد بعد غيبة وفراق .. دعيني أنزع ما علق بثوبي وأدس جبيني في تراب الأرض الذي طالما نفضته تعالياً وكبرا. تجهزي يا نفس فالموعد لن تؤخره الأيام كما كنا نظن ، فالشجرة المكلومة لا بد وان تفارقها أوراقها المصفرة يوماً في خريف لا ربيع بعده ، فالغصن الذي يهجره الندى تكسره لفحة ريح عابرة .تذكري يا نفس مرابع الصبى والأحباب ، تذكري كم بنينا من الأحلام ، تذكري الغرور وشدة الأيام .. أين هم بعد قوة ؟ وماذا نحن بعد ضعف ؟ كلنا سائرون وتاركون .. نرجوا دعاء في ظهر الغيب يرفعنا ، ونخاف من ظلم اقترفناه يهوي بنا . يا نفسي .. ارتعشي كطائر مذبوح مات على عطش ، تخلصي من كل ألوان الحسد ، والكره ، والنفاق ، والكبر .. تخلصي من زيفي و زيفك ، وانزعي قناعك المصنوع من نحاس تحسبينه ذهبا . الأمس وقد رحل ، واليوم وقد أوشك ، وغد وقد لا يأتي علينا ، فهذا رصيف العابرين لنجلس فوق أحجاره المبتلة بدموع من رحلوا ونذرف لمن سيأتي بعدنا . نفسي .. أثقلت عليكِ ؟ سامحيني وتحملي عتبي عليكِ ، فبعد ما كنتُ أمنيكِ بالأحلام أصبحت أزرع بين جنبيك شوكاً بلا ورود لعلك كلما حاولت التراخي شعرت بوخز يذكرك بالخلود الزائف والغروب اليقين . هل لي ولكِ من عودة ؟ وإن عدنا فهل من قبول ؟ أملي بوجهك يا رب ولا قنوط من رحمتك عبدك الفقير ونفسه الأمارة بالسوء وقفا ببابك ضعفاء ولك القوة ، أذلاء ولك العزة ، يمدان أيدهما وعندك العطاء فإن تردنا فهو الهلاك وإن تغفر فأنت غفار الذنوب اللهم إن رحلت من هذه الدار ، فدارك خير وأبقى .. يا رب حدثت نفسي بالرحيل ولا عمل يطفئ شقوتي ، فتقبلني بعثراتي وزلاتي وطهرني بعفوك يا أرحم الأرحمين . نفسي .. عودي لهذا الجسد ولا تتمني كثيرا فالأماني سبيل غي . هذا كلامي سيطوف بين الأبصار تقلبه الأيدي وتلهج به الألسن ، فلا تعتبوا على كاتبه كثرة الزلل ، فالكاتب لم يخرج من رداء البشر .. كله أخطاء وذنوب ترحموا عليه وادعوا .. لعل دعوة تصيب فيصبح له عند ربه نصيب .