مند أن وعينا الحياة كنا نعتقد أن – النيل – هو لمصر لوحدها منها "منبعه"، وفيها مصبه، وذلك من خلال كل ذلك التدفق من – الغزل – في النيل وجريانه، وتلك الأغاني التي كانت تملأ سماءنا، وتقبض على وجداننا فتمنحنا تلك البهجة. أسمع بيرم التونسي وهو يصوغ عبارته.. كأن النيل لمصر لوحدها لا يشاركها فيه آخرون فهو يصفه بالتحفة حيث يقول: شَمْس الأَصيل دَهَّبِت خوص النَخيل يا نيل تُحْفَة ومِتْصَوَرهْ في صَفْحِتَكْ يا جَميل والنايّ على الشَطِّ غَنَّى والقُدود بِتْميل على هُبوبِ الهَوى لمَّا يُمِرِّ عَليل فيصل الى الذوبان في النيل عندما يقول: يا نيل أَنا واللي أَحِبُّه نِشْبِهَكْ في صَفاكْ لانِتْ ورَقِّتْ قُلوبنا لمَّا رَقِّ هَواكْ وصَفْوِنا في المَحَبَةْ هُوَّ هُوَّ صَفاك مالْناشْ لا اِحْنا ولا اِنْتَ في الحَلاوَةْ مَثيلْ ويذهب بنا بعيداً في الاغراق في وصف النيل وخلطه بمشاعره: أنا وحَبيبي يا نيل نِلْنا أَمانينا مَطْرَحْ ما يِرسي الهَوى تِرسي مَراسينا والليل إِذا زادْ وُطالْ تِقْصَرْ لَيالينا وِاللي ضَناهْ الهَوى باكي ولِيلُه طَويلْ إلى أن يقول – المعلم – بيرم التونسي: أَنا وحَبيبي يا نيلْ غايبينْ عنِ الوِجْدانْ يِطْلَعْ عَلينا القَمَرْ ويغيبْ كَأنُّه ما كان بايْتينْ حَوالينا نِسْمَعْ ضِحْكِةِ الكَرَوانْ على سَواقي بِتِنْعي ع اللي حَظُّه قَليلْ يانيل نعم هذا الذي كان في مخيلتنا عن النيل الذي رسخه مثل هذا القول الآخر الذي صاغه – بيرم: يا مصر تتحدث الأمجاد بجمالك إلى أن يقول: .. الشمس ضحكالك في صفحة النيل وتمضي بنا الأيام ونعرف أن "النيل" مصبه مصر، وليس منبعه، ومع هذا لم يخالجنا شك أنه "شريان" الحياة يجري فيها، وثبت هذه القناعة لدينا وجود مشروع ضخم هو السد العالي الذي أكد رسوخ هذا النيل لمصر لوحدها.لنكتشف الآن ان هذا "الشريان" قابل "للانحسار"، وأن عليه تدور أقسى المفاوضات، وأن هناك من يملك – منبعه – ويتصرف في جريانه متى شاء.. نسأل لماذا يحدث كل هذا الآن هل مصر هي التي أعطت ظهرها كل هذه السنوات الماضية لمنبعه وجعلهم يتصرفون هكذا؟..إنه السؤال الكبير والكبير جداً.. نعم لماذا يحدث هذا الآن؟.