كانت السينما متاحة في "جدة"، ولا تزال ملتحفة بسورها: وذلك في الدور الثاني من السفارة الهندية التي كان مقرها ببيت "باجنيد" ب"حارة البحر"، أو في عروض خاصة ببيوت ميسوري الحال. لكن السينما بوصفها ملمحاً جماهيرياً شقت طريقها في "جدة" عن طريق رائد السينما التجارية "فؤاد جمجوم" في عام 1962... والذي وفّر قاعة للعرض في "حارة الجماجمة" بحي "البغدادية"، وافتتح بجانبها متجراً لتأجير أجهزة السينما التي عمد إلى توريدها إلى باقي الأحواش المشتغلة بعروض السينما وإلى الأفراد أيضاً. وبفضل "فؤاد جمجوم" ازدهرت السينما في "جدة" إبان هذه الفترة، فإلى جانب سينما "الجمجوم"، ظهرت سينما "محمد أبو صفية" في حي "الهنداوية"، وسينما "سراج سحاحيري" في حي "الشاطئ"، وسينما "عبد الله صالح الغامدي" في "كيلو 2"، وسينما "سفيان فطاني" في "العمارية"... ناهيك عن سينما "نادي سلاح المظلات"، و"نادي السفارة المصرية"، والنادي العسكري الأمريكي في طريق المدينة الطالع. وعمدت غالبية هذه الدور إلى عرض أفلامها بعد المغرب يومياً، حيث شهدت انتعاشاً أكثر بروزاً في إجازة نهاية الأسبوع، وتراوحت أسعار الدخول بين ثلاثة إلى عشرة ريالات لمشاهدة آخر الأفلام المصرية والأمريكية. كما كان حوش سينما "الجمجوم" ب"البغدادية" غير مسقوف، تصطف فيه الكراسي الخشب، والجلسات فيه عائلية بلا تفرقة. وبمقاييس زمانه هو الأكثر أُبهة والأعلى سعراً، بخلاف الفروع الأخرى لسينما "الجمجوم" التي افتتحها "فؤاد جمجوم" مع أخيه "عبد العزيز" في حارتي "البخاريّة" و"باب شريف". ومن طرائف ذاكرة المدينة... ما حدث للشخصية الشعبية المعروفة في حارة "اليمن" "محمود بارودي"، الذي كان يتمتع بقدر هائل من الظرف والنكتة وطول اللسان... حيث فكّر في عرض سينما لأهل حارته، وهي حارة العمال والمسحوقين، فرتّب مكاناً في أحد الأحواش المهجورة مقابل ريال للنفر، وفي أول عرض قُبض عليه من قبل الشرطة... وحين واجهه مدير شرطة "جدة" "فريد صبان"، وكان يعرف "البارودي" جيداً، سأله: ألا تعرف أن السينما ممنوعة؟... فردّ البارودي عليه: نعم أعرف ذلك، ولكن هذا المنع لا يشمل الأغنياء والأعيان والقناصل الذين يعرضون السينما داخل منازلهم وأحواشهم. فأفرج عنه الصبان إعجاباً بمنطقه. من صفحة "جدة وأيامنا الحلوة"