المدينة المنورة – علي محمد الحسون : اذا كان شعر الاخوانيات له خصائصه وله أثره في النفس حيث يتناول الاخوة في اشعارهم صفو الكلام وجميله يأتي اكثر صفاءً واكثر حميمية وصدقاً في العاطفة عندما يكون ذلك بين الأب وابنه فتنفتح شرايين القلب وتزداد مسامات الجلد استعداداً لقبول القادم اليها من بهاء العاطفة هكذا كان الحوار بين الرجل المهيب الصامت حتى لا تكاد تصدق انه سوف يعبر عن عاطفة لما يبدو عليه من جدية وصرامة لكنها الابوة وما تحمله من مخزون عاطفي جياش تمثل في قصيدته التي فاضت عليه ذات ليلة حيث كان الهواء يتخلل خصاص النوافذ في ذلك الشتاء القارس. وصوت حبات المطر يأتيه كأنه – عزف – من ناي حزين كان هو يرتدي معطفه الصوف ذاهبا الى المسجد النبوي الشريف عندما توقف عند باب – الغرفة – فألقي نظرة حانية على من بداخلها.أخذ طريقه الى "دهليز" البيت قبل باب الخروج تمتم ببعض الآيات الكريمة. خرج وهو يتحاشى برك الماء من بقايا أمطار البارحة التي تناثرت في ذلك الزقاق الملتوي وصل الى المسجد وقف امام باب "جبرائيل" كأنه يستأذن للدخول. وقف في الصف وصوت الامام يشق قلبه. الرحمن علم القرآن، خلق الانسان، علمه البيان. آه من هذا العلم الفاره هكذا أخذ يردد في داخله. هذا العلم الذي سوف يأخذه منه بعيداً لم يتعود على بعاده، تجاسر على نفسه ووافق بل اندفع الى تحقيق رغبة "الابن" الذي كان يحلم بمستقبل يراه رأي العين وان كان الحصول عليه في مكان بعيد. في ذلك اليوم الذي لا ينساه ودعه وهو يغالب دموعه لكن لم يستطع التجلد كثيراً ففاضت قريحته او نفسه فصبها في قول كأنه يخاطبه في اول رسالة إلى أسامة : صبا نجد أريت ابني أسامة=بنجد يرتدي حلل السلامة؟ فقد قصد الرياض الأمس جواً=وقلبي خلف طائره حمامة طوى نشر الفضاء بدون خوف=بعزم لا تزعزعه ملامة نأي عنا وخلفنا نعاني=سهاد البعد حملنا سقامه ولم يعط البريد لنا كتاباً=ولا حمل الأثير لنا كلامه ولم يبرق لنا خبراً مسراً=يطمئننا ويضمنه سلامه صبا نجد ولطفك غير خاف=به الشعراء كم وصفوا المدامة صبا نجد بلطفك عد لنجد=وحي المنجدين ذوي الشهامة ومل بالفضل منك لأرض نجد=لجامعة الرياض لك الكرامة تدلك يا صبا نجد عليه=فقبل منه مبتسما وهامة وبلغه تحيات شذاها=كما فوحت في أرض خزامة وصف شوقي صبا نجد إليه=وخذ من زفرتي الحرى علامه وجئني مسرعاً لتقر عيني=وتشرح صدر أم مستهامة ببشرى تعبق الأرجاء منها=وتزدهر المرابع عن أسامة أفاض الله رحمته عليه=وزينه بزينة الاستقامة وفقه لما يرضى وأجرى=عليه الرزق مجتنباً حرامه وتوجه بتاج من نجاح=ومد له مدى الدنيا دوامه وحقق في كلا الدارين أقصى=أمانيه وبلغه مرامه بجاه محمد خير البرايا=ومن كانت تظلله الغمامة عليه وآله والصحب صلى=وسلم ذو الجلال إلى القيامة في ذلك المساء ولفح الهواء البارد في هذه المدينة التي يأتيها ليقيم بها راح يقرأ القصيدة التي أخذت مشاعره الى هناك الى حيث يهوى القلب ويعيش ذكرياته: هذه ازقتها وتلك اسواقها وأحياؤها وضع القصيدة جانبا، استغرقه التأمل والتذكر هذه الرياض وتلك رياض الخضرة والهدوء والاطمئنان ليتأوه وليفيض شعراً فراح يشدو بهذه الابيات مستذكراً العقيق وساكنيه، فجاء رد الابن أسامة على والده هكذا: ويوم في الرياض يفوق عامه=ذكرت به الأُلي حلوا تهامة ذكرت به الحجاز وساكنيه=وقوما في العقيق لهم إقامة رحلت وعندهم خلفت قلبي=فقلبي اختار مقامه وهام بهذه الذكرى فؤادي=بوادي الشوق واستحلى قيامه وكاد يذيب أحشائي غرام=يصوب مغرضاً نحوي سهامه ولكن العناية أدركتني=بظرف فض إبهامي ختامه ففاح له شذى وسرى عبير=على مضنى الحشا فشفى سقامه أبي أنا بالرياض هبطت فيها=بحمد الله ربي بالسلامة وها أنا والرفاق بها بخير=بحمد الله لا نشكو ظلامه بجامعة الرياض فإن فيها=ينال المجد من يبغى مرامه حوت شتى العلوم فما أحيلى=شراب العلم فيها أو طعامه تظل نهارها تحنو علينا=وآلت ليلها ألا تنامه وتمسي روحها حرصاً علينا=ترفرف فوق مضجعنا حمامة أتيناها فآتتنا قراها=فنوناً دون نشوتها المدامة وذلك يا أبي سبب قوي=يرد بفضلكم الملامة فلا نسيان كلا كيف أنسى=أبوتكم فلست إذا أسامة ومسكا للختام إليكموها=تحيات حكت نجداً ثمامه وباقات نواضر من أمان=وأشواق لها دمعي علامة سألت الله يرحمنا بجمع=ويرزقنا بمنَّته دوامه فلا أبدا يعذبني ببعد=ولا شالت لكم أبدا نعامة وصلى الله ربي ما تغنى=حمام الأيك أو هطلت غمامة على (طه) وأصحاب وآل=هم مثل الرشاد والاستقامة وأرباب الهدى في كل عصر=وسلم ما انحنت لله هامة 15/11/1380ه