مدخل يقول الشاعر عبدالله علوش اعباء تنجب اعباء أشياء تخلف أشياء وغباء في ظل غباء نحن التاريخ فمن انتم ؟ نحن الناس يا أزياء كثيراً كنت أردد تلك الأبيات وكثيراً ما تزداد في داخلي القناعة بأن البُسطاء هم القادة الحقيقيون للإنسانية لكنهم يعيشون حياة عادية جداً بين الناس فحصولهم على القيادة ليس بسبب المال ولا الجاه وليس للسلطة أي دور في ذلك ، بل إن السبب الحقيقي يكمن في فطرتهم و نقاء وطهر أفكارهم وبياض قلوبهم وصدق أعمالهم في كل الجوانب بداية من حبهم لأوطانهم وقيادتهم الرشيدة ووصولاً لتعاملهم مع من حولهم من الأقارب والجيران ومن يشاركونهم في المجتمع المحيط بهم . اليوم ونحن نستقبل العشر الأوائل من شهر رمضان تذكرت قائمة طويلة من البسطاء الذين كانوا بالأمس القريب معنا واليوم نفقدهم ونفقد أرواحهم التي كانت تحرص على زرع الخير في كل مناسبة من حولنا على أن يكون حصاد ذلك الزرع لنا قبل أن يكون لهم ؛ من تلك الأسماء أذكر جيداً العم ( عطالله محمد الرفاعي ) غفر الله له ورحمه رحمةً واسعه ووسع له في قبرة وغفر له ذنبه ...كان رجلاً يمشي في سن ما بعد الخمسين بالكثير إلا أنه كان ضاحكاً مبتسماً وكأنه ابن العشرين في تعامله مع أبناء الحي كان بسيطاً في كل شيء إلا في أخلاقه وتأكيده الدائم على لمّ الشمل والمحافظة على الصلاة في المسجد وفي وقتها حتى وهي التي كانت تشق عليه في أواخر أيام حياته ؛ رأيته ذات مرة يُقبل رأس ويد طفل من أطفال الحي ..فرفعت صوتي نحو الطفل قائلاً له ( قبّل رأس عمك ..أعني العم عطالله ) فأسكتني العم عطالله قائلاً بل نحن الذين نقبل أيديهم .ثم استرسل بنافلةٍ من القول وأخبرني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول للأطفال ادعوا لعمر.. فحين سؤاله لماذا تفعل ذلك قال لأن صحائفهم بيضاء لم تلطخ بالذنوب وارجو الله أن يقبل منهم دعاءهم لي .. ثم أكمل العم عطالله والله يا ولدي لا أعلم صحة ذلك القول من عدمه لكني سمعت به كثيراً ( قالها هكذا بكل بساطة ). وانتهى ذلك المشهد وكدت أبكي من تصرفه وكلامه.وفعلاً بكيت لكن بلا دموع .واليوم يعود ذات المشهد لذاكرتي و أبكي بدموع صامتة لا يرافقها أي صوت حقيقة. دائماً ما تخنقني العبرة بل وتُحكم قبضتها على أنفاسي كل ما تذكرت من هم على شاكلة العم ( أبو محمد عطالله الرفاعي ) لأننا حينما نفقد مثل ذلك الرجل فإننا نفقد البركة في الجيرة والبركة في الكلمة الطيبة وفي الزيارة وفي السؤال عن بعضنا البعض .ففقدنا لهم أشبه بفقد العشب للماء فأي حياة للفرح بعدهم إلا أن الله كتب لنا الصبر وأعاننا عليه وكتب لنا ذكرى أعمالهم التي بقيت خالدة في أذهاننا ( وهم بُسطاء ) ؛ فاليوم نفقدهم في رمضان لنرفع الأيدي نحو السماء وهي قبلة الدعاء التي فيها خزائن رحمة الله و مهبط الرحمات والبركات نرفع أيدينا ونردد اللهم إغفر لهم وأعتقهم من النيران ياحي يا قيوم وأحسن خاتمتنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه . [email protected]