بعد فترات معيّنة من الزمن، يصل الإنسان المُبدع إلى حالة من الإجهاد والتعب؛ ما يستدعي منه التوقف في منتصف الطريق .. لالتقاط الأنفاس .. في مرحلة تسمى (استراحة المحارب) .. حيث يحاول فيها هذا المُبدع إعادة النظر في كل الأمور السابقة .. ومراجعتها حسب التسلسل الذي بدأها به .. ومن ثم غربلتها .. وتصنيفها .. ثم وضعها تحت عناوين مختلفة .. بحيث يتمكن من العودة إليها وقت الحاجة .. وربما يتم ركنها فوق الرفوف أو الأدراج إلى وقت غير مسمى .. ثم يترك كل ذلك خلف ظهره .. ليبدأ الرحلة الجديدة مع مرحلة جديدة من مراحل الإبداع . ربما تكون مرحلة مكملة لما سبق بخطوط جديدة .. وربما تكون هي مرحلة التغيير والتطوّر الجديدة للأفكار المتنامية التي لا تهدأ أبدًا ..ولا تعرف التوقف مع نهاية دوام العمل اليومي .. ولا تترك له مجالاً للتمتّع بفسحة صغيرة من الزمن يقضيها مع نفسه .. ومع أفكاره الشاردة .. دون تدوين .. أو تصنيف .. أو تحديد لنوعيّة تلك الأفكار ووضعها المثالي بين السطور وبين الورق .. أو على شاشات الحاسوب المحمول . إنها معضلة المُبدع التي لا تنتهي أبدًا .. تلك الأفكار التي تنهال عليه أحيانًا في نفس الوقت ونفس اللحظة .. فلا يعرف أيها يختار .. وأيها يبدأ العمل به .. لأنه لا يستطيع القيام بترجمتها كلها في نفس اللحظة .. لكنه يبدأ بأقربها إليه .. وأحبّها إلى نفسه .. مما يجعل الأفكار الباقية تتراجع رغمًا عنها إلى الخلف .. لتتوجّه دون إنذار سابق إلى مواقع التخزين في العقل اللاواعي .. وإلى مراحل النسيان في الأزمان القادمة دون تخطيط .. استراحة المحارب التي كان ينبغي لها أن تكون خالية تمامًا من صخب الأفكار والخيالات المتكرّرة .. أصبحت فجأة ودون إنذار مسبق .. مرحلة عطاءات متفجّرة من الأفكار الجديدة .. والتي تتسابق مع بعضها البعض .. للفوز بالأفضلية والخروج إلى العلن .. في ثوبها المطرز الجديد .. على يد وفكر ذلك المُبدع المسكين .. الذي لم يتمكن من وضع خيالاته فوق وسادتها .. ولم يتمكن من إسدال ستارة النهار فوق أفكاره اللامتناهية .. والتي لا تقبل بالهزيمة أبدًا .. فهي أولاّ .. ثم يأتي دور تلك الفترة التي يحتاجها المبدع للراحة والاسترخاء .. حيث يمكنه أن يضع كل تلك الشوارد التي تزوره دون ميعاد مسبق .. في قوارير قابلة للكسر والعطب .. ويغلق عليها بكل قوته .. حتى يضمن أنها لن تتمكن من الخروج من سجنها الزجاجي العقيم . لكن .. للأسف .. فسرعان ما تتحطم تلك القوارير بفعل الضغط المتزايد بداخلها .. وتتمكن تلك المحاولات الإبداعيّة من السيطرة على خيال ذلك المسافر إلى واحة الراحة والأمان .. لتوقظه من أحلامه الورديّة .. وتُعيده من جديد إلى قلمه وأوراقه .. ولا تدعه يسقط ذلك القلم من يده .. إلا بعد أن تستنزف كل قواه وكل طاقته الجسديّة والعقليّة .. ولا مجال للتوقف أبدًا . حين ذاك .. يعود ذلك المُحارب .. ليمتطي فرسه الغارق في الخيالات والإبداع .. لتنطلق به من جديد في ميادين الإبداع والخيال دون توقف .. فلا راحة أبدًا لهذا المُبدع .. ولا مكان لاستراحة هذا المحارب المجهد أبدًا .