حدَثتني امرأة - نعم امرأة - عن امرأة أخرى حرمها الله البنين ولكنَه أنعم عليها بالمال. كفلت السيِدة وزوجها يتيماً مجهول الأبوين في شهوره الأولى وأغدقا عليه الحب والحنان واستخدما أحدث أساليب التربية، ليس ذلك فحسب ولكنهما أدخلاه أفضل المدارس سمعة حتى كبر واشتدَ عوده فأرسلاه إلى الخارج ليلتحق بأرقى الجامعات العالمية ويعود بعد اجتهاد رافعاً رأسه ورأس أبويه الإفتراضيين وقد تخرَج بإمتياز. في مرحلة من حياة الشَاب الذي نشأ في حضن هذه السيِدة منذ نعومة أظافره ولم يناديها سوى "ماما" التفَ حولها جماعة متطرِفة - كما أحبُ تسميتهم- في جلسة مناصحة يأمرونها بما ليس من المعروف في شيء وينهونها عن ما ليس من المنكر في شيء. قالوا لها أنه بلغ وأصبح في حكم الغريب الآن وأنها يجب أن لا تحدِثه إلا من وراء حجاب...!!! ومع محاولاتها لإفهامهم أنه بمثابة ابنها وكيف لها أن تتحجَب عن من يناديها "ماما" بل كيف تكفُ عن الجلوس معه وتجاذب أطراف الحديث معه وممازحته والسؤال عنه والتربيت على كتفه والمسح على رأسه.. كيف وكيف؟؟ لكنَهم لم يكفُوا عن ازعاجها والتدخُل في شؤون أسرتها فكان قرارها ان تصُد عنهم وتغلق أبوابها في وجوههم.. فهي لن تفكِك أسرة حصلت عليها بعد عناء وطول انتظار. كانت هذه التدخُلات كفيلة بإثارة قلق الأبوين على مصير ابنهما وحقوقه ومستقبله في حال وفاتهما، خاصَة وقد علما أنَه لا يورَث، ولم يتمنُوا أن يرثهم أحد غيره، فما كان منهما إلا ان كتبا أملاكاً باسمه.. نعم لهذه الدرجة استحقَ أن يحبَاه.. والآن وقد حصل على وظيفة وأصبح بمقدوره أن يفتح بيتاً ويبني أسرة هو الآخر، أبدى استعداده للزواج، فرقصت الأم ابتهاجاً وهي واثقة من أن البحث له عن عروسة لن يضنيها فقد كان كل من يعرفهم لا يفتك يثني على تربيتهم وما نتج عنها من خلق كريم وتحمُلٍ للمسؤولية. لم تسر الأمور حسب توقُعاتها فقد صدمت بمجتمع ترك الأخلاق ليسأل عن الأصل ولم يتعدُوه. قالوا لها بكل قسوة:"لقيط لا يتزوَج إلا لقيطة"! انتهت القصَة. ويحكم أيُها المؤمنون ألم يقل الله "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"؟ ألم يقل رسوله:"لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى"؟ ماذا عن حديث الرسُول: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه؛ إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد "، وماذا عن الصَحابة وقد تزوج بلال بن رباح رضي الله عنه بأخت عبد الرحمن بن عوف وقد كان حبشي لأمة سوداء، وتزوج سالم مولى أبي حذيفة بفاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة وهي ابنة أخ سيِده ثم كافله، وفي الأثر أنه كان المقداد وعبد الرحمن بن عوف جالسَيْن؛ فقال له: مالك ألا تتزوج؟. قال: زوجني ابنتك. فغضب عبد الرحمن وأغلظ له،فشكا ذلك للنبيّ صَلَّى الله عليه وآله وسلم؛ فقال:" أنا أزوِّجك ". فزوَّجه بنت عمه ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب. ألا يكفي ما يعانيه اللقيط نفسيَاً ليعاني اجتماعياً؟ هل اختار أن يولد لقيطاً؟ وهل اخترتم أن تولدوا بين ذويكم؟ مالكم كيف تحكمون!!! اعتصر قلبي ألماً لسماع القصَة.. تمنَيت أنَ لي ابنة فأزوِجه إياها وأبدأ بنفسي لعلَ الله يأخذ بيدي لأغيِر ثقافة مجتمع غدا ينهى عن المعروف ويأمر بالمنكر.. @tamadoralyami [email protected]