في كل شعب وفي كل أمة يوجد أصحاب المبادئ والنفوس القوية الذين تتزحزح الجبال ولا يتزحزحون هم عن مبادئهم وسواء كانت مبادئهم في الخير أم في الشر .. في الإصلاح أم في الإفساد ! إن هؤلاء دون غيرهم هم من يديرون ويمثلون دون منازع أقطاب رحى الحروب والمعارك السياسية والفكرية في أنحاء العالم .. وهم قلب الأمة ودماغها فمتى كان القلب صافيا والدماغ سالما سيقت الأمة إلى حيث العز والمجد والشرف .. أما وإن كان القلب مريضا والدماغ مسوساً سيقت الامة إلى أوج الهلاك والدمار. وفي الأمم طبعاً الصالح والطالح جمهور ايجابي يريد الخير ولكن لا حول له ولا قوة ولا يتعدى دور الأغلبية الصامتة مثلاً ..وجمهور آخر من أصحاب القلوب الضعيفة والنفس الرخوة كالعجين فلا ثبات لهم ولا مبدأ كالماء لا لون له ولكنه يتلون بلون الإناء فمتى وُضع في إناء أخضر رآه الناس أخضراً ومتى جٌعل في إناء أصفر رآه الناس أصفراً ... وهكذا. وإن هؤولاء لا خطة لهم يتبعونها ولا هدف محترم لهم يسيرون إليه .. ولكنهم أبناء وقتهم مرة مع زيد وأخرى مع عمر وتارة مع بكر وطوراً مع رعد إلخ ... يصبحون مع زيد ولمجرد ما تحيط حوله بعض الأخطار ينحازون في الزوال لجانب عمر وإن لاحت لهم سحابة من الخطر تحوم فوقه عشية وضحاها انفضوا من حوله وتجمهروا في المساء بجانب بكر وهكذا ...لا يسكن لهم بال ولا يقر لهم قرار فرائصهم ترتعد وأعصابهم تضطرب وقلوبهم ترتجف ونفوسهم تذوب لمجرد ما يلوح لهم شبح من الخطر على حالهم ومصالحهم !!! يحلفون لك بكل إيمان أنهم لا يزالون معك في السراء وأما الضراء فيبرأون يمينهم .. فإذا جد الجد ورفع الستار عن الدور الأول من رواية الخطر المكشوفة والمصالح المختبئة وراء نفوسهم الضعيفة انقشعوا وذهبوا عنك وواجهوك من بعيد واستهزأو من قلة عقلك ومخاطرتك ! وإذا ما شعروا باقتراب حيازتك للنصر وقد ظفرت بالمطلوب رجعوا إليك واحداً واحداً على قدر هروبهم منك ... وهم معك مادامت راية النصر تخفق فوق رأسك وإذا تقلص ظلها ونكست تراجعوا عنك وأصبحوا في جانب خصمك ! ...... وهكذا دأبهم وأسلوبهم وطريقتهم ما داموا على قيد الحياة ... والغالب على هؤلاء ومن طبعهم كشف الأسرار ونقل الأخبار من هنا وهناك استرضاء للجميع وخوفا من الجميع ! وشدة الشغف بالسكون والركون إلى السلم الجبان ولو مع إقرار الباطل وخذلان الحق ... بل ولا يهمهم أصلاً إن انتصر الباطل أو خذل الحق ولكن مايهمهم مصلحتهم فقط هؤولاء ومتى رأوا الحق والباطل يتصارعان ألبسوا صراعهما بلباس الفتنة والفساد والتشويش وكالوه بكيل واحد ووجهوا سهام اللوم والتعنيف إليهما معا في مساواة الظالم بالمظلوم والحق بالباطل لأنهم يرون الواجب هو السكون .. ومتى ثارت زوبعة الخصام بينهما فلا خير في الجميع ولا يميزون ابداً بين الحق والباطل ذلك أنهم يرون السكون والسلم السلبي قبل كل شيء هو الهدف الاسمى عندهم لدرجة وجوب الصفاء والسلام بين الحق والباطل .حتى لو لم نسمع في تاريخ العالم قديمه وحديثه متى اجتمع الحق والباطل في آنٍ واحد ومتى انعقد الصلح بينهما في الدنيا وإنما تلك أمنية منهم سببها ضعف القلب و رخاوة النفس.. إن هؤلاء غالبا ما يكونون في مؤخرة الجيوش عند الإقدام وفي مقدمتها عند الإحجام وفي صفوفهم تتفتح الثغرات للعدو المهاجم وعلى رؤوسهم ينهار بنيان الحصون وهم عيون كل قائد وأُذن كل جيش ومن المستحيل أن ينعقد بهؤلاء أمر وأن يؤسس بهم مشروع وطني لان الأمور تنعقد بالكتل الصلبة المتماسكة الأجزاء لا بالذرات الرخوة المتناثرة واجتماع الضعف لا يولد ابداً القوة .. والمشاريع الكبرى والخطط العظيمة إنما تؤسس على الصخور الثابتة لا على الأحجار الهشة القلقة .. والحجر المتقلب لا يثبت عليه البنيان... إن أمثال هؤلاء لا يعول عليهم في تأسيس النهضات والدول والأمم والمشاريع ومافيه الصالح العام ولا يعتمد عليهم في شيء يستوجب الجد والمثابرة والثبات .. ولا ينبغي للعاقل أن يفرح لإقبالهم أو يحزن لإدبارهم أو أن يطرب لهتافهم أو يتذمر من غيابهم فهم في جميع الأحوال سواء ماداموا في حال الضعف القلبي والوهن النفسي لا يمكن الاعتماد عليهم في شيء ايجابي ومن الامثلة في تاريخ الدول والامم الكثير الكثير ... نعم يمكن للماهر الحاذق :سواء المسؤول السياسي أو الإعلامي أو قادة الرأي في المجتمع أن يستخدمونهم ويستفاد منهم في مصالح عدة ولكن لا يمكن أن يبني عليهم آمال أو يشيد بهم حصون وإنما يمكننا أن نبلغ ذلك بالرجال الصابرين الثابتين أصحاب المبادئ الحازمة و الكلمة الواحدة فإن انتشر دين فبهؤلاء وإن نبتت فكرة فبهؤلاء وإن اعتزت أمة فبهؤلاء وإن حرر شعب فبهؤلاء. فمن أراد تكوين أمة أو إحياء شعب وتحريره فليبدأ بإعداد العدة وهي حشد هؤلاء الايجابيين أصحاب المبادئ . أما إذا غفلنا عن هذا وأسسنا عملاً على كواهل أولئك الضعفاء فقد بنينا على أساس من الرماد بمجرد ما تهب ريح عاصفة أو ترسل الشمس أشعتها المحرقة تتناثر ذرات الرماد في الفضاء وتذوب فينهار البنيان ويصير عاليه سافله !!! فمن كان يؤلمه أن يحشر بين هؤلاء الواهنين الضعفاء وتؤلمه لذعة الامتهان والازدراء فما عليه إلا أن يصبر قليلاً على اللذعات و يتزين بزي الصابرين الثابتين فلا يلبث قليلاً حتى يطرز صدره بنيشان الثبات والشرف ويصبح في الصفوف الأمامية بين الرجال الثابتين الرجال الناصرين لقضيتهم.