يبدو أن مشكلة حشو المناهج قاسم مشترك بيننا نحن العرب , ولذلك فإنك لا تجد بلداً عربياً واحداً لديه تعليم فاره ومتميز , يمكن أن ينافس ماليزيا مثلاً أو اليابان , ناهيك عن الدول المتقدمة وبلاد العالم الأول . ولذلك لا غرابة أن يظل التعليم في الوطن العربي في حدود منطقة " مكانك سر " , أما الطالب - وهو محور العملية التربوية التعليمية - فإن الحديث عن مستواه المهاري والتعليمي يظل متشعباً ورحباً , وأمامنا نماذج طلابية كثيرة نرى الواحد منهم مهلهل المهارات والمعارف الأساسية , والسبب أنه وسط هذا الركام من المقررات , والحشو في عدة كتب دراسية , يظل الهمّ الحقيقي للمعلم انهاء المنهج بطريقة " كيفما أتفق " , فيما الطالب يظل كالببغاء يحفظ ما يستطيع عقله , بهدف الحصول على درجة النجاح . ويظل اللافت أن مسؤولي التربية والتعليم كثيراً ما بشرونا بمناهج أخرى جديدة , تكون أفضل حالاً وأحسن مقالاً ومن دون حشو , لكن النتيجة أن كل تلك الوعود سرعان ما تتطاير في الهواء , لنفاجأ بالواقع الأليم , وهو مناهج غير مناسبة إما في أسلوب العرض , أو في تقدير المعلومة الملائمة للمرحلة العمرية , أو حتى بأخطاء معارفية أو إملائية كما رأينا ما نشرته الصحف بين فترة وأخرى , وفي النهاية بقي الحشو سيد الموقف . هنا تساؤل بدهي صغير , ما الذي يمنع أن يكون المقرر الدراسي لمادة ما - هو 70 صفحة مثلاً , بدلاً من 220 صفحة كما هو حال بعض الكتب التي أثقلت كواهل طلابنا , وأسهمت في تنفيرهم من الكتاب والقراءة عموماً , بل ومن المدرسة , وجعلتهم حانقين على الكتاب المدرسي , ولذلك فإن حالة رمي الطلاب للكتب المدرسية , بعد كل يوم اختبار بجانب المدرسة بشكل لا نرضاه , ربما كان نوعاً من الاحتجاج العفوي من أولئك الصغار أو الشباب , ولو أحبوا المقرر الدراسي والمدرسة عموماً لما تصرفوا كذلك . وثمة مثال واحد نورده هنا , فكتاب العلوم للصف الثاني المتوسط , ومن خلال تعايشي معه وأنا أراجع لابني , رأيته يفتقر لأسلوب العرض الجيد , وحافل بما يشبه الألغاز في عرض المعلومة , وهو منهج افتراضي خيالي يحيل الطالب إلى نشاطات لا يمكن أن توفرها مدارسنا بأحوال مبانيها المستأجرة الحالية , ولا حتى زمن الحصة وزحمة تلاحق الحصص وراء بعضها , فمثلاً وجدت في الكتاب مطالبة الطالب بإنتاج مشاريع مثل : (ارجع إلى الموقع الإليكتروني ... صمم عرضاً عن الأدوية ... اصنع لعبة من النباتات ... اصنع نموذجاً من مواد صديقة للبيئة ... ) وكل هذا لدرس واحد فقط . أما العجيبة الأخرى في هذا الكتاب فهي حوالي 24 صفحة في أول الكتاب بينها عرض واسهاب في الغدد الصماء والجهاز التناسلي الذكري والأنثوي مع الصور , وكيف تلد الحامل مع الصور , الخ التوسع في معارف ( حساسة ) وكل ذلك لطفل أو لنقل لشاب صغير لم يبلغ الحلم . نعم نحن مع الثقافة الجنسية الأمينة الواعية , التي تتولاها المدرسة وتقدمها لأبنائنا بحصافة , ولكن ليكن ذلك في مرحلة دراسية أعلى كالثاني أو الثالث الثانوي توافقاً مع المرحلة العمرية , ومن دون توسع واسهاب .. واختصاراً نقول إن الحشو مازال سمة ظاهرة في المقررات الدراسية عندنا , وأن من العجيب تجاهل أناس مهمين يمكن لهم أن يؤلفوا مناهج جيدة , فهناك المعلم , مدير المدرسة , الأب والأم إلى جانب المختصين , كما في دول العالم المتقدم , وأظن أنه مالم يحدث شيء من هذا فأننا سنظل نوهم أنفسنا بالتطوير . يا أيها الإخوة في وزارة التربية .. أعطوا الخباز خبزه ؟ .