عندما كنت فتاة لا أتجاوز السادسة عشرة كان من غير اللائق التواجد في "مجلس الحريم" بسبب أن الموضوعات التي يتبادلنها لا تليق بفتاة في عمر الزهور والعبارة التي ظلت عالقة في ذهني "عيب البنت تشرب قهوة!"، وبالرغم أنها جملة تردّدت دومًا على مسامعي إلا أن الفضول كان يدفعني لمعرفة سر مذاقها المرّ الذي جعل بيني وبينها عقدة كبرت معي بمجرّد أن أمسك بالفنجان!وإن تواجدت في مجلس تكثر فيه ثرثرة النساء، تلاحقني نظرات التوبيخ غير المباشرة، وفرت الراس وحركة الشفاه الصامتة، والتي باختصار تفسّر كلمة "قومي" وفي داخلي كنت أشعر بالغضب وأقول في نفسي: قومي يعني وين أروح؟ خاصة عندما أكون في منزل إحدى القريبات، وليس لديها فتيات من عمري، في هذه الحالة كان لا بدّ أن أشغل نفسي ولو بتأمّل السقف أو أجلس في زاوية أشاهد برنامجًا في التلفاز دون صوت أو أتصفّح المجلات سيدتي وزهرة وأخواتها. اليوم أصبحت أتواجد في مجالس تملؤها النساء وأستمع لأحاديثهن وثرثرتهن، وأتناقش معهن كوني جزءًا لا يتجزأ منهن، لكن كلما أمسكت بفنجان القهوة تعود بي الذاكرة إلى "سوالف الحريم" التي كنت أهرب منها رغم أنها كانت "سوالف" عادية لا تتجاوز مفهوم العيب المعروف في أحاديث النساء اليوم، ولكن في كثير من الأحيان أتمنّى أن أعود الفتاة التي تختار زاوية من زوايا المنزل أو تشغل نفسها عن سماع ثرثرة النساء التي لا تخلو من القيل والقال والتدخّل في شؤون الآخرين والتطفّل على حياة الأخريات، فلانة ماعرست، فلانة تطلقت، فلانة ماعندها زوج، فلانة محد خطبها، فلانة زوجها عرس عليها، فلانة حامل، فلانة ......إلخ حتى وقت الصلاة مجرّد الواحدة تسلم وتنتهي من تأدية فرضها تشير على فلانة. المهم "فلانة" قد تكون إحدى الجالسات وسطهن، وتتبادل أطراف الحديث معهن، فلانة قد تكون صاحبة المنزل اللي تقهويهم أو أي واحدة فينا، باختصار كلنا في يوم من الأيام أشير علينا بفلانة ومجرد أن تقع على مسامعنا كلمة "شفتي فلانة" فهي دعوة للنميمة. لكن يظلّ في "عالم الفلانات" الرجل محور أحاديثهن في المجالس سواء في مجالس الأفراح أو الأحزان، ومعظم المواضيع تدور حول الرجال مهما كانت عينة الفلانات، وشريحتهن ودائمًا تكون أحاديث مأساوية تدور عما يفعله الرجال بالنساء من سوء حتى يصبح الرجل عدوًا للمرأة، وتواجد الفتيات في هذه المجالس ليس من (العيب) كما كان في الماضي، وبالتالي يتلقين المعلومة التي يحصلن عليها من النساء، وللأسف كثيرًا منهن يعتمدن عليها وتكون هي المرجع الأساسي حيث تحصل على فرصة التعامل مع رجل لذا تكون محفّزة بكيفية السيطرة على هذا الزوج من خداعه وغدره، المهم "سوالف الحريم" تعجّ بالنصائح المدمّرة التي تدور حول كيفية تطويع الرجل والاستفادة من تجارب الأخريات من الجنسيات التي استطاعت أن تسيطر عليه، والتي يوجهها الرجل الخليجي بأن المرأة الخليجية لا تفهم في الحب والرومانسية، هي ذاتها ما توجهها له المرأة، اليوم كل ما أسمعه في المجالس يجعلني أشعر بأن كل المتحدّثات في حياتهن الزوجيه تعيسات "مجالس الحريم" وسوالفهن مكان خصب لإطلاق نكت وعيوب الرجل، وإهماله للمرأة، وعدم قدرته على التعامل الإنساني والعاطفي معها، باختصار عزيزتي فلانة هذه المجالس تكرّس مشاعر العداء بين الرجل والمرأة، فالمرأة تنظر إلى الرجل بأنه ذئب بشري ككل القصص التي تدلّ على وحشيته، المهم مجالس فلانة وعلنتانه وسوالفهم دفعتني بالبدء بكتابة "قصص الحريم" وتناولها بشفافية، وأتمنّى أن أنقل من خلالها تجارب النساء وهي دعوة للأخوات لمن لديها قصة تريد الحديث عنها، فأنا كلي آذان صاغية يا فلانة.