من أبرز المظاهر السلوكية لخصلة الغرور هي صفة المكابرة .. وأبسط وصف للمكابرة هي الإصرار على الخطأ رغم اتضاح الصواب ، ومن المؤكد أن المكابرة تضطرم جذوتها بشكل طردي داخل النفس كلما توهم صاحبها بامتيازه عن بقية الناس ، إما لجاه أو مال أو مهارة أو جمال ، أو لمنصب في الدولة ، بمعنى أن المكابرة موجودة عند جميع الناس لكنها بدرجات مختلفة ، وسأذكر لكم هذا الموقف الطريف الذي حدث لي أيام العزوبية مع رفقاء المسكن ، ففي الحادي عشر من سبتمبر كنت أنا واثنين من الشباب نتابع باهتمام كبير أخبار قناة الجزيرة التي كانت تبث مشاهد الهجوم على برجي التجارة آنذاك على الهواء مباشرة حتى إننا أدركنا المشهد قبل ارتطام الطائرة الثانية بالبرج الثاني ، وفي غمرة انهماكنا في مشاهدة ذلك الحدث ظهر أحد الأصدقاء الذي للتو استفاق من نومه ، وكان واقفاً على الباب فصرخنا بصوت واحد عليه : ( الحق تعال شوف وش قاعد يصير الحين في أمريكا ) . فرد علينا بكل برود : ( وش قاعد يصير يعني ؟) قلنا : ( برج التجارة فجروه ) . قال : ( الله يا قدمكم..من الصباح شايف الخبر ) . ثم استدار وتركنا ، حينها انفجرنا من الضحك ، الحدث مباشر ويقول قد سبق وشاهده في الصباح !! صورة من صور ( المكابرة ) ، لا يريد أن يكون آخر من يعلم ، حتى لو أدى به الأمر للتظاهر بذلك ، لكن ينبغى التأكيد على أمر .. بعض الناس لا يشعر بهذه الخصلة .. أعني أنه يجد صعوبة في إدراك ذلك قبل لحظة انفعاله مع المواقف ، لكنه حتما بعد وقوعها يدركها .. إنما من داخل قرارة نفسه فقط ، وهذا هو مربط الفرس .. صعوبة الاعتراف بالحقيقة والتراجع عن المواقف الخاطئة وقبول مساعي التصحيح والإصلاح ، فإن كان صاحب هذه الخصلة مسؤولاً أو صاحب قرار في الدولة فاحلموا أن يتراجع عن قراراته قيد أنملة ..لن يعترف بأي خطأ اقترفه مهما كانت حماقة النتائج الناجمة عنه .. ولا يمكن أن يفاجئنا ذات يوم بتراجعه عن قرار مصيري اتخذه حتى وإن خالفه الصواب وثبت فشله .. ولا يمكن أن يذهب للملك بكل طواعية ليقول : اسمح لي يا طويل العمر .. أنا لست جدير بالوزارة وأطلب أن تكرمني بالإعفاء ، فالمكابرة حينما تهيمن على حس الأمانة والمسؤولية تغرق صاحبها في الغرور ..وبالمناسبة صديقي .. لازال إلي اليوم يصر على أسبقية مشاهدته لتفجيرات نيويورك صباحاً.. وأننا نحن آخر من يعلم وليس هو رغم مرور كل هذه السنوات. [email protected] @ad_alshihri