كنت قد أثرت قبل عدة ليال موضوع حصول السعوديين على المركز الثالث عالمياً في الكسل والذي نشرته مجلة (لانسيت ) الطبية البريطانية عبر تقرير شمل أكثر من 89 دولة في العالم مع مجموعة من الأصدقاء في مجلس خاص ، ولا أخفيكم .. حينها شعرت بمدى تعثر أذهاننا بعقدة الأفضلية ، ولم أكن أتوقع ساعتها بأني الوحيد في المجلس الذي كان يرى في هذا التقرير شيئاً من المنطق والموضوعية .. يعني باختصار .. صرت مضطراً لمجابهة جميع الحضور وحدي ، إما أن يقنعوني أو أن أقنعهم ، ولأن الكثرة تغلب الشجاعة وأحياناً المنطق والإنصاف فقد هُزمت ، ليس لقوة حججهم بل لأن صوتي ذاب داخل الضجيج ، وها أنا أحاول هنا قول ما لم يسمحوا لي بقوله حينها ، وحتى لا أطيل عليكم .. فما كنت أريد قوله مجرد شواهد جميعنا نراها ونتلمسها تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أننا شعب كسول . وقبل أن أشارككم هنا بعض تلك الشواهد دعوني أذكركم أن التقرير كان قد ضم عشرين مركزاً لعشرين دولة من أصل 89 دولة في العالم ، من بينها بريطانيا نفسها ( الدولة التي تنتمي لها المجلة ) والتي احتلت المركز الثامن علاوة على ماليزيا التي فازت بالمركز العاشر ، تليها اليابان في المركز الحادي عشر ، وعدد من الدول العربية ليس من بينها السودان بالمناسبة ، كما لم تضم القائمة بعض الدول الأكثر رفاهية منا كأميركا وفرنسا ، وأقول ذلك حتى لا يقال إن سبب كسلنا هو حالة الثراء الذي تنعم به الدولة السعودية ، ما يعني أن كسلنا ليس له علاقة بالفقر والغنى ، إنما في الثقافة فقط ، أما الشواهد التي أراها مؤيدة لتصنيفنا كثالث أكسل شعب فأبدأها بديمغرافية مجتمعنا والتي تقول إن نصف المجتمع من النساء ، والنساء كما هو معلوم لا زالت الرياضة محرمة عليهن في جميع مراحل التعليم العام حتى ساعة كتابة هذا المقال ، وفي اعتقادي أن هذا معيار كاف لرفع أسهم منافستنا على المراكز الأولى في الكسل بغض النظر عن بقية القرائن ، فإذا أضفنا لهذا نظرة تأمل للنصف الآخر من المجتمع ( الذكور ) وقمنا بعملية مسح ميداني بسيط لأجناس كل من يقوم بمساعدتنا خدمياً واجتماعياً في الحياة العامة فسندرك أن القائمة خالية تماماً من الجنسية السعودية ، وللتوضيح أكثر .. خذ عندك من يقوم بمساعدة الفرد منا في بناء منزله مثلاً ؛ بدءاً من تسوية الأرض ؛ ومروراً بأعمال البناء والتشطيب ؛ وانتهاءً بالتأثيث ؛ هل فيهم سعودي ؟ بالتأكيد لا ، باختصار .. المجتمع السعودي لا يخدم نفسه مطلقاً ، فإذا كان نصف مجتمعنا لا يمارس الرياضة مطلقاً فإن النصف الآخر ليس أوفر نشاطاً منه ، لأنه لا يقوم بأية مهنة مجهدة ، وبناءً عليه .. بأي وجه نقول لمجلة ( لانسيت ) أنك مجحفة في ذلك التقرير ، ثم ألا تكفي معرفة أن قرابة ثلثنا مصاب بداء السكري ( 28% ) سيما وأننا جميعاً ندرك أن أحد أهم الأسباب المؤدية لتفشي داء السكري هو الخمول وقلة النشاط . خلاصة كلامي .. لم أكن مهتماً للحديث عن مصداقية التقرير من عدمها لولا أني لم ألمس من الحاضرين تعلقاً بوهم فوقيتنا للدرجة التي بتنا فيها نكابر ضد كل نقد يوجه لسلوكياتنا ، فإن كان الناقد من بين ظهرانينا قلنا جلداً للذات ، وإن كان من غيرنا قلنا حسداً واستهدافاً ، ليتنا نكف عن هذا ونتعامل باهتمام أكثر مع مثل هذه التقارير ، حتى وإن كانت صادمة لمشاعرنا ، فليس للمعالج من سبيل لعلاج الجسد بغير سبره وتفحص مكامن العلة فيه ، فهناك فرق بين الاعتزاز بالوطن والدفاع عنه وبين المكابرة على عيوبه ، فحب النفس كما يقول شكسبير ليس أقل ذنباً من إهمالها . [email protected] @ad_alshihri