تساؤل لذيذ يأتي على شكل جملة استمدت عنفوانها بمعانقتها لعلامة الاستفهام الشرسة لكنها جملة مع الأسف لم تدغدغ سوى مشاعر الضعفاء ! الضعفاء الذين هرعوا لإغلاق شباك منزلهم العتيق في وجه " الفساد " بعد أن أطل برأسه خلسة وكانوا سُذجاً جداً بظنهم أنهم قد نجحوا حينها في حماية سُكان المنزل من شروره وهو الذي جلس بعد ذلك متربعاً يشاركهم مائدتهم المتواضعة بل ويضحك بصوت مرتفع ! هو تساؤل أستطيع تشبيهه زمنياً بالراديو الجهاز الذي لفظته الألفية الجديدة وأسقطته ذاكرة الناس , كان مقبولاً أن نسمع " من أين لك هذا ؟ " في حقبة فقيرة كالتسعينيات مثلاً , أما في حضرة عامنا الحالي المليء بمشاريع ضخمة من ذات التسعة أصفار خصصتها الدولة لكثير من المشاريع فصيغة السؤال قد اختلفت ! " من أين لك كُل هذا ؟ " هكذا تصبح الصورة أكثر وضوحاً وتكون الجملة أكثر قبولاً , فلو استضفنا على سبيل المثال مسؤولاً فاسداً في العام 1991م كانت تهمته الوحيدة اختلاسه لمبلغ مليون ريال من صندوق الوزارة و أخبرناه أن هناك مسؤولاً في إحدى الوزارات الأخرى قام بالاستيلاء على جميع حدائق أحياء مدينة جدة وحولها إلى أملاك خاصة له بحجة أنه مصاب " بمتلازمة العشب " ! ماذا لو أخبرناه أن هناك قاضياً قام بإصدار صكوك غير شرعية من أجل الاستيلاء على مخططات سكنية تفوق قيمتها 600 مليون ريال وكان عذره الوحيد أنه مسكون بجن ! , ماذا لو أخبرناه أن قيمة إنشاء دوار مروري متوسط الحجم هي ملايين الريالات ؟ ماذا لو أخبرناه أن هناك أكثر من 3000 مشروع حكومي " متعثر " باعتراف هيئة مكافحة الفساد وفي ظل ميزانية ضخمة، بالطبع سيُصاب ذلك المسؤول بجلطة دماغية لأن حظه العاثر لم يسمح له بأن يكون حاضراً بيننا في زمننا السخيٌ هذا , إن مظاهر الثراء و الترف على المسؤول الفاسد الآن هي أشد فحشاً مما مضى , فالقصر الفاره و أسراب السيارات الفخمة جميعها لم تعد تفي بالغرض , نستطيع أن نتحدث عن برج تجاري في مدينة مثل دبي أو شقة ثمينة في أحد أرقى أحياء مدينة لندن , نستطيع الحديث عن طائرة خاصة قامت شركة أيرباص بنسج أول حروف اسم ذلك المسؤول على ديكورها الداخلي , نستطيع الحديث عن مسؤول فاسد تجاوز سؤالنا القديم " من أين لك هذا " منذ سنوات طويلة ووصل الآن إلى الصيغة الجديدة لذلك السؤال " من أين لك كُل هذا " ؟. twitter: aalbaly [email protected]