كان والدها يذهب بها بين "النجوع" وهي ترتدي ذلك العقال المقصب كانت في العاشرة من عمرها لتنشد في بعض المناسبات لتمضي بها الايام في تعرجاتها ولتعطيها من مناعتها ما يصلب به ارادتها على حفر الصخر لتكون واحدة من علامات – الفن – العربي هذا اذا لم تتجاوزه الى – العالمي. لقد كانت أم كلثوم احد "الاهرامات" العربية بذلك الاصرار على النجاح الذي سهرت الليالي في الاعداد له والوصول الى قمته فمن ابنة ذلك الفلاح الذي يادوب – تفك – الحرف الى أحد "المراجع" في الشعر وفي الكلمة ورقيها لقد استطاعت ان تكون لذاتها معرفية خارقة من خلال مثابرتها وقراءاتها المتعددة. انها لم تكن صاحبة حنجرة فذة فقط ولا صاحبة معرفة فنية بذاتها لكنها انسانه مثقفة بكل ما تعني كلمة ثقافة من أبعاد ورقي.. هذه الثقافة جعلت منها سيدة – صالون – كما يقال. وجعلت منها صاحبة بديهة حاضرة فهي لا تفوتها – النكتة – المثقفة واللماحية البارزة. ان الاصوات الجميلة كثيرة وعديدة لكن الصوت "المثقف" لا يملكه كل صوت انها المتربعة الوحيدة على ذلك الهرم اسمعها وهي تقول: سمعت صوتاً هاتفاً في السحر ناديت من الغيب غفاة البشر أو هي تقول: لا تشغل البال بماضى الزمان ولا بآتى العيش قبل الاوان واغنم من الحاضر لذاته فليس في طبع الليالي الامان وغيرها من – التحف الكلثومية. انها اسطورة الغناء العربي وهناك اسطورة غنائية أخرى حيث يظل الوهج الرحباني في صوت فيروز هو الزخم الذي لا يقبل اية اضافات لتعطيه أي بعد في وجدان المستمع. ففيروز هي الصوت الذي لا يعرف – المداهنة – لاذن المستمع الذي لا يعترف بغير "الكبرياء" وليس التكبر طريقا الى ملامسة النفس المتلقية لما يأتيها من ذلك الاحساس الغامر. ففيروز هي النغم الصافي والمصاحب لكل اولئك الواقفين في سرى البحث عن – الراحة – فهي تعطيهم الراحة الكافية وهم يقولون "الآه" وفي منتهى الشجن حتى لو حرقت منهم ما حرقت لان ذلك يعطيهم طعماً آخر من الفضاء الروحي.فعندما تستمع الى فيروز تشعر بانها تتعامل وفق مفهوم واضح مع من تحب فهي لا تعترف بالانكسار تجاه من تهوى لهذا تأتي تأوهاتها مكثفة بالكبرياء وتسمع تساقط الدمع من عينين لا تعترفان بالخنوع فتتناثر الدموع في صمت ولكنه صمت كله عزة وشموخ.وفيروز تعطيك اقتناعا كاملا بأنك تقف على ارضية تفوح من مسامها عباق الصفو والبراءة وتجعلك تسقط في بحر الاحزان للمشاعر والاحساس اسمعها وهي تقول: تحت الرماني حبيبي حاكاني سمعني اغناني يا عيوني واتغزل في انها تعطي الاحاسيس صدقها غير ما تسمعه من الآخرين من مجرد ابتزاز لهذه المشاعر وتلك الاحاسيس فالكلمة لديها قيمة والاداء تفاعل وكل ذلك هو ضرورة العطاء وصدقه. سنرجع يوماً الى حينا وندفن في وقفات المنى سنرجع يوماً مهما عبر الزمان وتنائي المسافات بعدنا انه مبدأ لا تحيل عنه ولا ترضى عنه بدلا. آخر الكلام هما قمتان مختلفتان ولكنهما تلتقيان في روعة الابداع وجمالياته.