النوع الأول من «السلفية الفنية» يكمن في تقديس نماذج غنائية من الماضي وتصويرها في مقام الكمال الفني. فريد الأطرش ملحن وموسيقار من الطراز الرفيع، لكن غناءه أقرب إلى صوت مصاب بزكام مزمن لا الأكثر تماهيا مع المقامات الموسيقية العربية كما يقال. صوت عبدالحليم حافظ ضعيف، يتضح ذلك حين يقارن بصوت هاني شاكر مثلا (لا أطيق صوت أي منهما)، ومع ذلك هناك من يحدثنا عن أدائه بإحساس عالٍ، أنا أرى ذلك «الإحساس» تصنعا لا أكثر. نأتي إلى صوت السيدة أم كلثوم، لا شك أنه صوت جميل وقوي، لكنه لا يتمتع بأي صلة بالأنوثة، والمنديل اللي هلكونا فيه، أشاهده أقرب إلى «المنشفة» في بعض الحفلات التي تبثها (روتانا كلاسيك). هناك أصوات مبدعة فعلا تم تجاهلها رغم انتمائها لنفس الحقبة، يأتي على رأسها محمد فوزي، ربما يكون أكثر جمالا وإحساسا من أصوات عبدالحليم وفريد. بل أكاد أقول أن مبدعنا طلال مداح ربما يكون أكثر أهمية من الجميع، لكنه ظلم لأنه ليس مصريا كما ظلم وديع الصافي. صوت نجاة الصغيرة وصوت فيروز قطعا أكثر حنانا وأنوثة من صوت أم كلثوم. ملاحظة: اكتشفت قاسما مشتركا – غير آلام الساقين – بيني وبين الرئيس جمال عبدالناصر: الاستسلام للرائعة الكلثومية (أروح لمين). النوع الثاني من «السلفية الفنية» سبق أن أشرت له في الحوار الذي أجراه معي الصديق علي مكي في هذه الصحيفة (فبراير 2012)، حين حاول بعض الملحنين المصريين استنساخ الماضي ب «أم كلثوم جديدة» مرة مع غادة رجب ومرة أخرى مع آمال ماهر. أين انتهت هذه المحاولات؟ غادة رجب لم يعد يسمعها أحد وآمال ماهر كادت أن تنقرض لولا امتطاؤها صهوة الأغنية المعاصرة. ماذا نستفيد من تلك المحاولات؟ إإن محاولة استنساخ الماضي والعودة إليه مصيرها الفشل قبل الاستحالة!. السلفية – في الفن وغيره – مثالها الماضي، بينما تتقدم الأمم – في الفن وغيره – حين يكون مثالها في المستقبل. ولله الأمر من قبل ومن بعد!.