تسلم جون كيري مهامه كوزير للخارجية الأمريكية بعد هيلاري كلينتون التي قال عنها مازحاً: هل يمكن لرجل مثلاً أن يخلف هيلاري، التي غادرت وزارة الخارجية الأمريكية ومازالت أحداث تفجير السفارة الأمريكية في بنغازي تلقي بظلالها عليها، فلم يتحدث كيري بشكل صريح عن أحداث بنغازي سوى أنه تعهد بحفظ أمن السفارات الأمريكية حول العالم، وسوى ذلك فلا يوجد هنالك أي وضوح لموقف جون كيري من أحداث بنغازي ومعطياتها لكن هذا الغموض بالطبع لن يستمر طويلاً.إن خبرة جون كيري في السياسة سوف تلعب دورا محوريا هاما في السياسة الخارجية والدبلوماسية الأمريكية،فقد شارك كيري في حرب فيتنام لكنه سرعان ما أدان هذه الحرب وتحول من مقاتل الى ناشط ضد الحرب،جون كيري قضى ما يقارب الثلاثة عقود في مجلس الشيوخ الأمريكي وكان السيناتور السابق له صوت مسموع واحترام اكتسبه خلال وجوده في مجلس الشيوخ، حتى قبل تسلمه مهامه كوزير للخارجية فقد زار كيري عدة دول عربية مثل مصر وفلسطين والأردن ودول أخرى لها أهمية محورية في السياسة الأمريكية مثل أفغانستان وباكستان والصين ورأس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ لذا يتمتع جون كيري بخبرة كبيرة تخوله أن يغيّر ولو بشكل طفيف مسلك الخارجية الأمريكية للأربع سنوات المقبلة. من الجلي في تاريخ جون كيري السياسي والدبلوماسي أنه مؤمن جداً بالحلول الدبلوماسية والعمل على الحوار وأسلوب المناقشة والإقناع، فهو لا يكترث بحجم المعارضين له وقوة حجتهم طالما أنه عازم على إقناعهم ومناقشتهم بأن حجته هي الأقوى وأنه لا مجال للتدخل العسكري وفرض السياسة الخشنة إذ إن هنالك مجالاً للسياسة الناعمة المتمثلة بفتح القنوات الدبلوماسية والجلوس حول الطاولة المستديرة للنقاش ولو استمر هذا النقاش وقتاً طويلاً. من السهل التنبؤ بأن جون كيري يرى الشرق الأوسط بمنظور مختلف عن كثير من السياسيين الأمريكيين ولا يخشى الإعلان عن ذلك فجون كيري صرح منذ سنتين أنه يجب على الولاياتالمتحدة أن تغيّر من سياستها في الشرق الأوسط وأن لا تنظر لها بعيون أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وكما يبدو من اللغة التي يستخدمها جون كيري مؤخراً فهو بعيد كل البعد عن المصطلحات العسكرية، فعندما تحدث كيري عن الملف النووي الإيراني فهو وكأنه يقول لإيران عليكم أن تثبتوا حسن نواياكم وأقنعونا أنه ليس هنالك ما يثير القلق والخوف، وبذلك يبدو جون كيري مستعدا للحوار مع الجانب الإيراني حتى وإن تطلب هذا المزيد من الوقت فهو في الجانب نفسه يؤمن كأيدولوجية أن القيود الاقتصادية تجدي نفعاً أكثر من تلك العسكرية لكن في الوقت ذاته على الإدارة الأمريكية أن لا تعيد خطأ ما حدث في العراق في التسعينيات فقد ضيقت الخناق اقتصاديا على العراق لكن كان المتضررون هم الفقراء والطبقة الوسطى بينما لم تتضرر الحكومة العراقية آنذاك بالشكل الذي كان ينبغي أن يكون عليه. أما بالنسبة لسوريا فمن المعروف أن جون كيري كان مقرباً لبشار الأسد وزار سوريا لمرات متتالية في السنوات الأربع الأخيرة لكن تغير هذا التناغم بين الاثنين بعد اشتداد وتيرة الحرب في سوريا حيث لمّح كيري سابقاً أنه مع تسليح المعارضة السورية، لكن سرعان ما تغير هذا الموقف بعد تسلمه مهامه حيث يتمسك كيري بالحوار والدبلوماسية ويغير موقفه من تسليح المعارضة خوفاً من أن تتعقد وتتوسع دائرة الحرب في سوريا، بالطبع تغير موقف كيري ليتماشى مع موقف الإدارة الأمريكية التي هي الأخرى ترى في داخلها انقساماً بين تسليح المعارضة السورية.