عندما زرت الاندلس قبل سنوات بعيد رحيل الشاعر الكبير نزار قباني كان الشوق عارما لمعانقة غرناطة تلك المدينة الساحرة بابنيتها العربية التي ماتزال شاهدة على عصر مزدهر للعرب في الأندلس ولكني لم أكن أتخيل تلك المدينة دون أن يتداعى الخيال في استحضار صورة الشاعر الكبير الذي عشقت قصائده منذ الطفولة وشعرت أن غرناطة والحمراء شيئان مرادفان لنزار قباني واتعجب أليست لغرناطة تاريخاها ولقصر الحمراء رجاله! إذا كيف يختزل رجل واحد مر من هناك كل التاريخ العربي.وكيف لانستحضر حين نمر قرب أسوار الحمراء سوى صوت واحد وصورة واحدة لشاعر خلد تلك الأماكن في قصائد ساحرة وأتصور أن قريبي علم مسبقا بحبي لنزار فلم يتأخر عن وضع شريط تسجيل في سيارته وجعله يعمل ونحن نقترب من قصر الحمراء العامر وجنان العريف الساحرة وتاريخ بني الأحمر في افيائها فانطلقت من السيارة قصيدة غرناطة بصوت الشاعر الراحل نزار قباني.سحر المكان وصوت نزار جعلا من الزيارة لقصر الحمراء شيئا أسطوريا لم استطع نسيانه مطلقاوكتب نزار الكثير من الأشعار عن تراثنا العربي في اسبانياو قصائد تنعي التاريخ وتبكي هزائم الأبطال رغم أن البعض حاربه واتهمه بالفسوق والانحلال وكتابته عن جسد المرأة ، لكنني اقول هؤلاء لم يقرؤوا نزار قباني الإنسان . ففي قصيدة أخرى عن اسبانيا بعنوان «أحزان في الأندلس» كتب والحزن يمزقه ويجعل الياس يسكنه. يقول : كل الذي أعرفه أنني يوم ولدتُ, كانت الطبيعة تنفذ انقلابها على الشتاء.. وتطلب من الحقول و الحشائش و الأزهار و العصافير أن تؤيدها في انقلابها..على روتين الأرض. عليَ أن أكون كشهر اذار, شهر التغيير و التحولات؟.قصيدته تلك تختزل كل مافي نفسه من ألم وخيبة وحزن استطاع من خلالها استقراء مستقبل العرب.أهي صدفة أيها الامير الدمشقي الشاعر المبدع ان تولد في ربيع الياسمين وتموت في ربيع الياسمين ؟.