لم يشهد الوطن العربي ظروفا كالتي يمر فيها حاليا، ثمة تحديات ينبغي الإجابة عنها، قبل الانتقال إلى منعطفات خطرة في تاريخه السياسي الحديث والمعاصر، الحافل أصلا بالكثير من علامات الاستفهام التي لم يعثر عن تفسير منطقي أو واقعي لها. فمنذ قرن إلا نيفا، لا زال العرب شعبا وقيادات ونخبا وبعدها أنظمة، تتحرك وتعمل في دائرة الرهانات على المتغيرات التي تجري فيها وحولها، دون كلل أو ملل رغم التيقن الواضح، أن تلك الوسائل لم تكن يوما ناجحة أو يمكن البناء عليها للمستقبل.راهن العرب إبان الحرب العالمية الأولى على الحلفاء لنيل الاستقلال عن الامبراطورية العثمانية، فكانت النتيجة تقسيم أرض العرب إلى جغرافية سياسية لا مثيل لها في تاريخ نشوء الكيانات والدول. تابعوا المسيرة عينها فخسروا فلسطين، وانقسموا فيما بينهم حول سياسات وأحلاف دولية، فخسروا أهم قضاياهم، ووصل بهم الأمر أن تنازعوا وتحاربوا على مسائل ثانوية وفرعية في حياة الشعوب والأمم. واليوم يغرق العرب مجتمعات وأحزاب ونخب بأحلام وردية أسموها ربيعا، وهم في هذا لا زالوا يراهنون على المتغيرات نفسها التي ركنوا إليها سابقا. فما العمل؟.زالتحدي الأول الذي يواجهه العرب اليوم الأسئلة المتعلقة بالنظم السياسية التي ينبغي أن تبنى في كياناتهم،أسئلة كثيرة تطول بطول خصائص مجتمعاتنا العربية وتقاليدها في ممارسة السلطة. التحدي الأخطر الذي يواجه العرب حاليا هو العودة إلى الجغرافيا السياسية للمنطقة، بعدما غابوا وغيبوا عن تاريخها. لقد انتهى النظام الإقليمي العربي الذي عانى الكثير من عوامل التصدع والضعف والوهن، وهو الآن في حالة غيبوبة سياسية واقتصادية وأمنية وعسكرية تامة، في ظل سطوع نجم قوى إقليمية صاعدة كتركيا وإيران وإسرائيل، صعود يبدو متسارعا يصعب التنبؤ بمداه وتداعياته وأثاره في ظل الضمور المريع للإمكانات العربية. كيف يمكن الخروج من هذا النفق في الوقت الذي لا يزال الكثير من العرب منقسمين حول الرؤية الاستراتيجية لتحالفاتهم الإقليمية، بل وصل الأمر إلى حال من الحولّ السياسي في التمييز بين العدو والصديق والحليف. التحدي الآخر الذي يبدو أكثر إلحاحا هو الولوج في إعادة هيكلة الاقتصاد وعمليات التنمية في مختلف مجالاتها وبخاصة المجتمعية منها. فالعرب في العقد الثاني من الألفية الثالثة لا زالوا يتصدرون قائمات الأمية والبطالة والفقر، وتدني النمو والدخل، في المقابل هم الأكثر مديونية والأكثر عجزا في ميزانيات التبادل البيني والخارجي، باختصار باتوا أمة تبتعد عن التي أخرجت للناس. لكن في مقابل ذلك، يبدو أنهم الأمة الأكثر انقساما وتسارعا في انقسام الدول وتزايد أعدادها.بعض العرب منقسمون اليوم حول سياسات دولية منتعشة هذه الأيام بين روسيا والولايات المتحدة، وينتظرون تبدل الإدارات والسياسات لحسم مواقفهم تجاه الكثير من الملفات البينية أو الداخلية، في الوقت الذي يعرفون جيدا أنهم لم ولن يكونوا إلا وقودا لتلك السياسات ونتائج لها، ومن الصعب أن يكونوا فاعلين أو مؤثرين فيها. وهنا التحدي الأبرز الذي يواجه العرب نظما ونخبا ومجتمعات، وهو تحدٍ دائم الظهور، وحاضر في مختلف الاستحقاقات كبرت أم صغرت في مسار معالجاتهم لقضاياهم.تلك هي حال الأمة في عام يبدو الأصعب في تاريخها، فهل سيكون العرب في العام 2013 في مستوى التحديات التي يواجهونها؟ أم سيكونون مجرد أرقام صعبة فيما بينهم، وسهلة على غيرهم في تفكيك الألغاز والطلاسم التي أحاطوا أنفسهم بها.