أدت التدخلات الخارجية بالشأن العربي إلى تصدع الموقف العربي وتداعيه أمام الهجمة التي استهدفت حاضر ومستقبل الأمة ومشروعها النهضوي، وفرضت هذه التدخلات واقعا جديدا في ميزان القوى بالمنطقة العربية الذي تنتابه تجاذبات دولية وإقليمية، تسعى لإحداث الخلل في معادلة الصراع وتوظيفه لغير صالح الأمن القومي، حيث اهتزت أركانه جراء التدخلات الخارجية وتراجع فرص الحفاظ على ديمومته كصمام آمان لمواجهة الهجمة التي تجتاح المنطقة عموما. وحال التراجع والتشظي الذي تعيشه الأمة وأبرز معاقلها التاريخية تجعلنا نرصد اتجاهات الريح ومستقرها بعد أن انهارت مصداته، وأصبحت المنطقة مكشوفة ومستباحة أمام عوامل التدخل المباشر الذي حول الإقليم العربي إلى مجرد ساحة للصراع، واختبار النوايا والمشاريع من دون أي موقف عربي حقيقي لوقف حالة الانفتاح الإقليمي والدولي على دول المنطقة العربية. وإزاء هذا الإمعان بالتدخل بشؤون دول الإقليم العربي حولته إلى ساحة للصراع على القرار السياسي والمصالح والنفوذ كان الخاسر فيه شعوب المنطقة وتطلعاتها بحياة بعيدة عن سياسة الاستقطاب ومخاطرها على أمنها القومي. وتستوجب دواعي المسؤولية القومية ومصالح الأمة العليا إعادة التوازن إلى ميزان الصراع بالمنطقة بتشكيل نواة الإقليم العربي كقوة فاعلة لوقف تداعيات الاندفاع الأجنبي ومخاطره على الأمن القومي العربي. إن التمسك بثوابت العمل العربي ووحدة المصير والهدف، ومقاومة تصدير الأزمات إلى دول الإقليم العربي هو من يفشل المشروع الاستعماري الذي يهدف إلى إبقاء المنطقة مضطربة وغير مستقرة حتى تسهل السيطرة عليها. من هنا فإن اشتراطات تصحيح ميزان القوى في الإقليم العربي ينبغي أن تستند إلى نبذ الطائفية ودرء شرورها على وحدة المصير بين مكونات الأمة لتجسيد التلاحم الأبدي بين شعوب الإقليم العربي؛ لأن عبور الحاجز الطائفي وتقليل تأثيراته على الهوية القومية والوطنية لدوله هو الضمانة الحقيقية لإفشال مخططات تصدير المشروع الطائفي. إن تشكيل نواة لمشروع قومي عربي معتدل يستند إلى ثوابت العمل العربي ومصالح الأمة العليا، هو الضمان لوأد المشروع الطائفي لتجنيب الأمة مخاطر الانزلاق بمتاهاته ويعطي أملا جديدا للساعين لاستنهاض الأمة من جديد لمواجهة الأخطار المحدقة بوحدتها ومستقبلها.