منذ وقت مبكر وبالتزامن مع بداية فتنة التمرد المسلح التي أشعلتها عصابة الإرهاب الحوثية ضد الدولة والشرعية الدستورية والإجماع الوطني، والتصدي لها، حظي موقف الحكومة والقيادة اليمنية بمباركة ودعم الدول العربية، لاسيما بعد أن رفضت جماعة التمرد والإرهاب كافة الخيارات السلمية التي عرضتها الدولة عليهم، وبعد أن أجهضت كل الوساطات والمبادرات المقترحة لاحتواء الفتنة سلمياً في إطار الشرعية الدستورية والقانونية والنظام الوطني المؤسسي المعمول به.. هذا الدعم الذي عبر عنه الموقف السياسي الرسمي للزعامات والمؤسسات العربية الرسمية والشعبية والحزبية، ظل في كثير من الحالات ذا طابع معنوي سياسي وإعلامي، وفي حالات أخرى ولأسباب مختلفة بقيت لغة الحوار والتواصل والدعم المقدم لليمن من قبل بعض أشقائها العرب محصوراً ضمن الأطر والقنوات الدبلوماسية والاستخباراتية غير المعلنة، باستثناء دول مجلس التعاون الخليجي وبالذات المملكة العربية السعودية الذي أتسم موقفها من التطورات والأحداث المعتملة في اليمن بالكثير من الشفافية والوضوح والعلنية، والرؤية الناضجة النابعة من الاستقراء السليم لقيادة هذه الدول لاحتياجات ومصالح أوطانها وشعوبها المعاصرة والمستقبلية، وإدراكها لمدى تأثير الوضع في اليمن على أمنها واستقرارها وعلى المنطقة بشكل عام، ولم تتوان في دعم خيارات وجهود الدولة والقيادة اليمنية في ممارسة واجباتها ومهامها الدستورية في حماية أمن ومصالح وحقوق الشعب وخياراته، والدفاع بمختلف الوسائل الوطنية المشروعة عن سيادة ووحدة الوطن اليمني. هذا الموقف النابع من الترابط المصيري بين اليمن والمملكة ودول الخليج في أكثر من مجال وبالذات في المجال الأمني واستشعارها لمخاطر التحديات والتهديدات التي تواجهها اليمن على الأمن الإقليمي برمته في ظل تدخل العديد من الأطراف الخارجية بثقلها السياسي والإعلامي ودعمها المباشر لجماعة الإرهاب الحوثية ودعاة الانفصال، بادرت هذه الدول وفي طليعتها المملكة العربية السعودية لتحمل مسؤوليتها التاريخية والقومية في الحفاظ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره، أكان ذلك من خلال الدعم السياسي والمعنوي والمادي لليمن، في معركته ضد هذه القوى الضلالية أو من خلال توظيفها الأمثل لثقلها الاقتصادي والسياسي ومكانتها المرموقة على الخارطة السياسية العربية والدولية في مساندة موقف اليمن وحشد التأييد العربي والدولي الداعم لموقف الحكومة اليمنية بالتعامل مع هذه الأزمة. وفي هذا السياق جاء الموقف المصري وموقف الجامعة العربية ليمثلا في مضامينهما وأهدافهما وأبعادهما امتداداً عضوياً للموقف السعودي الخليجي الداعم لوحدة اليمن واستقراره ولجهود القيادة والحكومة اليمنية الرامية إلى إنهاء فتنة التمرد في صعدة بوسائلها ومؤسساتها المشروعة، وهو الأمر الذي حتم على العديد من الدول العربية التعاطي مع الوقائع الجديدة على الساحة اليمنية والإقليمية بمواقف مسؤولة جريئة وحازمة، وبما تقتضيه مصالح اليمن ومصالح الأمة العربية وأمنها القومي. الترجمة العملية لهذه المواقف تجلت بعض ملامحها في الزيارة التي قام بها وزير الخارجية المصري السيد أحمد أبو الغيط ورئيس جهاز المخابرات العامة اللواء عمر سليمان والزيارة التي تلتها للسيد عمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية إلى اليمن، جاءت في سياق الدعم العربي المتعاظم لليمن في حربها ضد قوى الإرهاب والتطرف والعنف، والحفاظ على وحدة وسيادة أراضيه، وأهمية هذه الزيارات نابعة من طبيعة أجندتها الوطنية العربية التي حددت بمقتضى الحسابات والمصالح الوطنية لليمن، وأهمية الاستراتيجية الاستثنائية للأمن الإقليمي لدول الجزيرة والخليج والقرن الأفريقي، والأمن القومي العربي، وهي أجندة متطابقة كلياً مع خيارات ورؤية القيادة اليمنية وموقفها في التعاطي مع إشكالاتها الداخلية ومسؤولياتها الكبيرة على مصير الأمن والاستقرار الإقليمي والقومي والدولي، وتصب في خدمة التطورات المعتملة على المسرح العملياتي العسكري والتسريع بعملية الحسم النهائي. أجندة هذه الزيارات وأهدافها وأبعادها ممكن قراءتها بوضوح في مضمون رسالة فخامة الرئيس المصري محمد حسني مبارك التي حملها الوفد المصري إلى فخامة الرئيس علي عبدالله صالح والتي أكد فيها وقوف مصر الكامل إلى جانب اليمن وأمنها واستقرارها ووحدتها، وكذلك تأكيده على أن مساندة وحدة اليمن والحفاظ على أمنه وسلامة أراضيه تمثلان أولوية خاصة من أولويات السياسة الخارجية المصرية؛ وهي رسالة موجهة إلى عنوان واضح تؤكد بأن اليمن ليس وحده في هذه المعركة وأن مصيره مرتبط بمصير الأمة العربية كلها، فقد أعلن الرئيس مبارك بجلاء (رفض مصر لأي تدخلات في الشأن اليمني). التعاون اليمني المصري والتنسيق المشترك ووحدة المواقف والتوجهات العملية إزاء مختلف قضايا الأمة العربية، وبالذات ما يتعلق بالأمن الإقليمي؛ والأمن في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، الذي يمثل هماً وقاسماً مشتركاً حتمته الروابط المصيرية لأمن البلدين بهذا الممر الدولي ومسؤوليتهما المشتركة في صيانة وتعزيز متطلبات الأمن والاستقرار الدولي في هذه المنطقة الاستراتيجية الحيوية للاقتصاد العالمي، ولا يمكن فصل مواقف مصر الحالية عن طبيعة الدعم المصري لليمن الذي تمتد جذوره بعيداً في عمق التاريخ؛ ولم يتوقف لحظة في مختلف مجالات الحياة، الأمر الذي جعل التاريخ اليمني المعاصر مقروناً بالدور والدعم المصري لليمن وتضحية أبنائها في سبيل حرية واستقلال ونهضة المجتمع اليمني، وتحويله إلى قوة فاعلة تضاف إلى الرصيد الرافد لقوة مصر والأمة العربية وأمنها وتأمين مصالحها الحيوية الاستراتيجية. وحدة القناعات والرؤى العربية المؤسسية من أحداث اليمن تبلورت في الآونة الأخيرة في موقف أكثر وضوحاً وتعاملاً ايجابياً ليس فقط بطبيعة الحوارات داخل أروقة هذه المؤسسة ولكن أيضاً من خلال التحرك الإقليمي والدولي لأمانتها العامة والذي يمثل في مضامينه ثمرة من ثمار التنسيق المشترك للعديد من الدول العربية وبالذات أطرافها الرئيسة واللاعبة تاريخياً في الشأن اليمني، ووحدة رؤيتها وحرصها المشترك على تأمين استقرار اليمن ووحدته كعضو رئيس في منظومة الأمن الإقليمي والقومي المشترك، واعتبار دعم اليمن في مثل هذه الظروف مهمة قومية يجب أن يشترك فيها جميع العرب، مع مراعاة سيادة هذا البلد واستقلال إرادته وخياراته وخصوصياته الداخلية، والتجرد من كافة الحسابات المصلحية القطرية الضيقة التي من شأنها تحويل أي دعم يقدم لهذا البلد إلى وسيلة للتدخل في شؤونه الداخلية وإلى رصيد ربحي يستقطع من مصالح وحقوق أبناء شعبه. مجمل هذه المواقف التفاعلية إقليمياً وعربياً ودولياً والتحركات العلنية على أكثر من صعيد لايمكن بأي حال من الأحوال فصمها عن حقيقة التطورات والمتغيرات المستجدة على الأرض، وما يترتب عنها من تبدلات جوهرية عميقة وشاملة في طبيعة الصراع وموازينه المختلفة، هذه التطورات وجدتها العديد من الأطراف الداخلية والخارجية الداعمة لجماعة الإرهابيين الحوثيين غير مقبولة، وسعت إلى احتوائها عبر إجراءات سياسية وعسكرية عملية مباشرة، لا تنحصر في تكثيف وزيادة دعمها المادي والعسكري، لهذه الجماعة، بل وصل حد المشاركة المباشرة في الأعمال القتالية، إلى جانب التحرك السياسي الخارجي، وتوظيف الممكن من أوراق الابتزاز والصراعات الإقليمية، للحيلولة دون انهيار هذه الجماعة، وجاء تحالف جماعات الإرهاب والحراك القاعدي برعاية ودعم وتمويل خارجي، في سياق هذه المحاولات التي تتزامن مع استمرار بعض الأطراف الداخلية في مواقفها وسلوكياتها الموجهة لضرب مقومات وعناصر الأمن والاستقرار الداخلي.. وافتعال الأزمات المتلاحقة.. وتوظيف تداعياتها السلبية في تدعيم نشاط تيارات الغلو والتطرف والعنف والإرهاب والتمردات المسلحة على الدولة. هذه وغيرها من الوقائع والأحداث كشفت عن الكثير مما كان متخفياً من الأوراق السياسية، والعقائدية المذهبية، والأمنية الخطيرة، وجعلت الكثير من القيادات العربية على يقين بطبيعة المؤامرة التي تحيكها بعض الأطراف لتمزيق وحدة اليمن، واستقرأت بوضوح أبعادها الإقليمية وتداعياتها الدراماتيكية على مستقبل المنطقة، بما تمثله من تهديد مباشر للأمن والاستقرار الإقليمي والقومي الذي يمثل اليمن عمقه الاستراتيجي المهم للغاية. الكل يدرك أن اليمن تتحمل العبء الثقيل نيابة عن جيرانها وأشقائها في مواجهة مثل هذه التحديات؛ وقد لا تستطيع بإمكاناتها ومواردها المتاحة أمامها اليوم من التصدي الناجح لها بشكل منفرد، الأمر الذي يحتم على بعض الدول العربية المحورية الاضطلاع بمسؤولياتها التاريخية والقومية، في حماية أمنها الوطني بشكل خاص والأمن القومي العربي بشكل عام، انطلاقاً من دعم جهود اليمن بشكل مباشر وقوي في القضاء على بؤر تهديد مثلث العنف والتطرف والإرهاب وقواه الرئيسة(الحوثيون، ودعاة الانفصال، والقاعدة) ومواجهة كل أشكال وأساليب تمدد النفوذ الأجنبي غير المأمون الذي يسعى إلى ترسيخ وجوده الفاعل عند عتبات البوابة الجنوبية للأمن القومي العربي. ما من شك أن التحرك العربي الراهن رغم أهميته وايجابيته القصوى، إلا أن المسألة الضرورية والملحة تتطلب أن يكون هذا التحرك مقروناً بإجراءات عملية مباشرة لدعم اليمن في مثل هذه الظروف لكبح جماح التدخلات الخارجية في شؤونه الداخلية، وإخماد الفتن والاضطرابات المهددة لأمنها واستقرارها ووحدتها، واحتواء مخاطرها وأجندتها الخارجية السياسية والعقائدية المذهبية المتطرفة قبل استفحالها وانتشارها. لا ريب أن الإجماع العربي في دعم الشعب اليمني والوقوف إلى جانبه في هذه المحنة وفي مثل هذه الظروف يأتي في صميم المسؤوليات والواجبات الدينية والقومية والأخوية التي تقع على عاتق كل مواطن عربي، وهو في الوقت ذاته تعبير عن حاجة الأمة العربية إلى التوحد والعمل المشترك لحل المسائل المعقدة التي تفرضها الحياة، ودرء حالات التأزم وعدم الاستقرار التي يحاول أعداء هذه الأمة تصديرها أو خلقها داخل هذا القطر أو ذاك واستغلالها وتوظيفها لإثارة الفتن والصراعات الداخلية وتفتيت وحدته الاجتماعية والجغرافية والدينية، ومثل هذا الإجماع يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك من أن مصائر الأمن والسلام والتقدم الاجتماعي على مختلف الصُعد (القطري، الإقليمي والقومي) مرتبطة ارتباطاً وثيقاً وأكثر من أي وقت مضى بواقع الاستقرار القطري الذي يمكننا خلقه وصيانته وبديناميكية التعاون الاقتصادي، السياسي، الأمني والعسكري بين الدول العربية كافة. * رئيس تحرير صحيفة 26 سبتمبر اليمنية