يحفز اكتشاف الفيروس «فليم» العقول لتخيل أشكال الحروب المستقبلية المقبلة، ووسائلها الاستخبارية والهجومية على حد سواء، ويطرح اكتشاف الفيروس الجديد، وإمكانية تطوير فيروسات أخرى للاستخدام في أغراض مختلفة تحديات أمام صناع المخططات الدفاعية في مختلف بلدان العالم، فتطوير الأسلحة الجديدة يمكن أن يؤدي إلى تعطيل الحياة الاقتصادية ومنظومات الدفاع في بلد ما أو حتى التسبب في قتل عشرات الألوف في حال الوصول إلى مراكز الملاحة البرية والجوية وأنظمة المياه والمترو والكهرباء. عند الحديث عن الحرب الباردة، أو الصراع العربي الإسرائيلي يتبادر إلى ذاكرتنا سريعا أسماء عشرات الجواسيس الذين لعبوا دورا حاسماً في الصراع بنقل معلومات خطيرة تهدد بلدانهم، وتزخر مئات الكتب والمواقع الالكترونية بالحديث عن أهم الجواسيس. ومع التطور التقني وثورة المعلوماتية التي يعيشها العالم في العقود الأخيرة، يبدو أن دور شبكات التجسس التقليدية يغدو أضعف فأضعف، وباتت الرسائل المكتوبة بالحبر السري، وأجهزة الارسال المعقدة أيضاً من مخلفات الماضي البعيد، وحتى أن زرع أجهزة التنصت والكاميرات في قاعات اجتماعات المسؤولين أصبحت قديمة جداً، ويمكن الاستعاضة عن كل هذا بتكليف مجموعة من القراصنة باختراق البريد الالكتروني الخاص بأحد المسؤولين المهمين، أو بيانات أي وزارة، وحينها يمكن الحصول على معلومات أكثر في زمن قياسي دون أي مغامرة بالأرواح وبموازنة أقل بكثير، والمؤكد أن حجم المعلومات التي يتم الحصول عليها ونوعيتها كبيران، وما كان لأي جاسوس أن يحصل عليها مهما وسعت شبكة علاقاته. وتوضح ميزات الفيروس الجديد «فليم»، التي كشف بعضها خبراء شركة كاسبيرسكي الروسية، عن مدى التطور الحاصل في انتاج برامج تجسس معقدة يصعب اكتشافها، فالفيروس الجديد يختلف عن الفيروسات السابقة ذات الطبيعة الأمنية مثل ستكسنيت ودوغا اللذين اكتشفا في السنتين الأخيرتين ، فحجم «فليم» يزيد بنحو عشرين مرة على الأقل عن سابقيه، كما أنه يستطيع تأدية مهمات مختلفة في الكمبيوتر المخترق، وتتحكم مكونات الفيروس الجديد بالكاميرا والصوت، وتخزن وترسل الملفات المطلوبة إلى الجهة التي زرعته، ويتمتع الفيروس بخمس درجات من الحماية الأمنية، ويقوم بتدمير نفسه إذا وصل إلى كمبيوتر غير مرغوب به. ويخترق «فليم» الحواسيب بالانزال اليدوي، أو عبر رسائل إلكترونية، ويقوم بتصوير الشاشة والرسائل البريدية والرسائل الفورية، ويخزّن كل ما يطبع على لوحة المفاتيح، وهو مؤهل لتسجيل الأصوات من ميكرفون الجهاز ما يعني تحوله إلى برنامج تنصت لما يجري في الغرفة. وبوسع «فليم» تشغيل بلوتوث الجهاز وجمع معلومات من أجهزة الهاتف القريبة. وتزداد القناعة بأن الحرب الإلكترونية لم تعد ضرباً من الخيال العلمي خصوصا في ظل إمكانية تطوير برامج تزداد تعقيدا يوما بعد آخر ويمكن أن تستخدم كأسلحة فتاكة. لمح مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون إلى دور للبلدين في تصنيع فيروس «فليم» ونشره و كانت الولاياتالمتحدة قد أقرت استراتيجية جديدة في العام 2010 تحضر لامكانية خوض حرب إلكترونية، وتعتبر العالم الافتراضي ميدانا حقيقيا لحرب محتملة لا يقل أهمية عن المجال الجوي والبري والبحري، وجهز البنتاغون لذلك 15 ألف شبكة حاسوب يعمل على ادارتها 90 ألف خبير في الكمبيوتر، إضافة إلى نحو ألف خبير عسكري في القرصنة والجاسوسية الإلكترونية. وتنحصر المهمة الرئيسية للجيش الكبير من المختصين بالتجسس في المجال الإلكتروني، والتصدي للهجمات السبرنيتيكية على الولاياتالمتحدة، وتسديد الضربات الإستباقية الى الجهات التي تحضر تلك الهجمات.