في أحدث وأهم تصريحاته، وعلى وقع النكبة ووجعها، قال وزير الحرب الإسرائيلي إيهود باراك "إنّ إسرائيل تسعى لضم مستوطنتي "عوفرا وبيت إيل" القريبتين من مدينة رام الله في أي حل مستقبلي، ولكنه أضاف متبجحاً: "إن دولة إسرائيل ستكون فقط بين نهر الأردن والبحر المتوسط"، إذن أي حل مستقبلي يريده باراك و"إسرائيل" تتمدد حتى نهر الأردن...؟! وفي حكاية "من النهر إلى البحر"، هناك على ما يبدو إجماع سياسي أمني إسرائيلي أحيانا يكون صامتا، وأحيانا يعلنونه كما فعل باراك، فهم من جهة يتحدثون على مدار الساعة عن السلام، ولكنهم من جهة ثانية يهدفون إلى كسب الوقت وبناء المزيد والمزيد من حقائق الأمر الواقع على الأرض. ولعل حكاية "من النهر إلى البحر" هي الأجندة الحقيقية لدى قيادات الاحتلال. وباراك هنا لا يتفرد في موقفه هذا، فقط كان شارون ينطلق في حروبه من مزاعمه الأيديولوجية المتعلقة ب"أرض إسرائيل من البحر إلى النهر" وب"أن من حق اليهود الاستيطان في كل مكان" و"أن من حقهم بالتالي الدفاع عن أنفسهم في مواجهة العماليق الأشرار"، كذلك أولمرت الذي أثبت أنه لا يقل تشددا وتطرفا ودموية وتمسكا بالثوابت الصهيونية التقليدية عن سلفه البلدوزر، ولعل تلك التصريحات التي أدلى بها أمام "مؤتمر نوبل للسلام- البتراء 2006" الذي عقد في وادي موسى جنوب الأردن 22/ 6/ 2006 إنما عبر فيها أبلغ تعبير عن كل هذه المضامين التي نتحدث عنها والتي تشكل في الحصيلة الاستراتيجية الخلفية والمنطلقات الأيديولوجية لحروب أولمرت التي توجت ب"أمطار الصيف"، فعندما سئل أولمرت في المؤتمر عن حجم الاستعداد للتنازل الإقليمي قال: "نحن الإسرائيليين اليهود جازمون أن أرض إسرائيل التاريخية من نهر الأردن إلى البحر/ الأبيض المتوسط/ هي أرضنا وتراثنا، ونحن اليهود نملك الحقوق التاريخية.. الآثار في الأرض لليهود وليس للفلسطينيين". أما عن رئيس وزرائهم الحالي نتنياهو فقال في جلسة للحكومة بعد عودته من قمة في واشنطن إنه "من أجل الوصول إلى حلول عملية سيتعين علينا التفكير بحلول جديدة للمشاكل القديمة"، ودعا إلى تعلم دروس ال17 سنة من المفاوضات الفاشلة والشروع في التفكير في النزاع "من خارج العلبة"، بشكل أصيل وإبداعي و"بطرق جديدة"!.والتفكير في حل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني "من خارج العلبة"، هو التفكير من خارج "حدود إسرائيل الغربية".ولذلك نقول إن الأصل في قراءة احتمالية نجاح المفاوضات والتسوية هي العودة دائما إلى قراءة أدبياتهم وأجنداتهم السياسية والأيديولوجية على حقيقتها، فالأصل في الوعي السياسي الإسرائيلي المتبلور "أن هناك إجماعا في إسرائيل على تخليد الاحتلال للضفة" كما أكد الكاتب والمحلل الإسرائيلي الوف بن في هآرتس، مضيفا "يتبلور في إسرائيل إجماع على أن الانسحاب من الضفة الغربية لم يعد ممكنا، وقد يمكن إبعاد الفلسطينيين عن الأعين بجدار الفصل، لكن لا يمكن التحرر من السيطرة عليهم، وأن الجميع يشتركون في هذا الاستنتاج، في جميع المعسكرات وفي جميع الأطراف السياسية، وأن المشترك لهذه المواقف من اليسار واليمين هو أنها تُخلد الوضع القائم، مع عشرات المستوطنات، ومئات الحواجز وآلاف الجنود وراء الجدار". وليس ذلك فحسب، يذهب تنياهو أوضح من ذلك ليؤكد "أن لا بديل عن استمرار السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية". وقال نتنياهو "إن هناك حاجة إلى اتفاق سلام يصمد أمام إعادة فتح جبهة شرقية من جهة العراق، خاصة وأنه يوجد في الشرق الأوسط "رمال متحركة" والأوضاع تتغير، وأن هناك حاجة لاتفاق يصمد أمام هذه التغييرات. أما وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان فيعترف أنه "يريد محو القضية الفلسطينية من القاموس"،. ما يقودنا هنا إلى استخلاص كبير يتعلق باستحالة السلام مع تلك الدولة.