سيدي كامل : معظم أهل – المدينةالمنورة حتى منتصف الثمانينيات الهجرية يعرفونه فهو شخصية – غامضة – مسكونة بكثير من المواقف المثيرة للانتباه بل حتى للإعجاب والاندهاش. فسيدي كامل – الذي لا أعرف وأعتقد أن كثيرين غيري لا يعرفون من أين هو ولا أين يعيش بشكل دائم؟ حيث كانت معظم "البيوت" مفتوحة أبوابها له في كل وقت وكل حين. لقد كان أحد "الشخوص" المليئة بها تلك المدينة العزيزة وكل واحد منهم يشكل "قماشة" واسعة لرواية مشبعة بالرواء "الحكائي" الحميم الذي يمكن "الروائي" أو القاص من خلالها أن يعطينا فناً روائياً أين منه كثير من الروايات التي تقرأها هنا وهناك كهذه الشخصية المبهرة جداً والمتصوفة حتى الثمالة في تصرفاتها. فشخصية سيدي كامل الذي قدر لي يوماً أن شرعت في قص حكايته في نص روائي تحت مسمى "سيدي كامل" بكل تهويماته وحركاته.. وتصرفاته ومواقفه غير العادية المرتبطة بذلك الإيمان والدهشة التي تتلبس الآخرين ومن لهم صلة علاقة به ويرون فيه شخصية "مباركة" لها من دلائل الخير والصلاح ما لم يتوفر عند غيره. لكنني توقفت عن إتمام هذه الرواية عندما وقعت في يدي رواية "عرس الزين" للروائي الكبير الطيب صالح عند صدورها قبل أكثر من ثلاثين عاماً فوجدت تشابهاً كبيراً بين "عرس الزين" وسيدي كامل.. فانصرفت عن إتمامها كنص روائي أعتقد أنه يحمل دلالات مجتمعية لها حضورها لكن كما يبدو لي الآن أن ذلك الربط الذي علق في ذهني يومها والذي منعني من إكمال – الرواية – بدأت صورته تتضح لي الآن وأنا أعيد مشاهدة سيدي كامل على "شاشة" الذكرى مستحضراً كل ملامحه وكل تحركاته في تلك الأحياء وتلك الأماكن التي كان يرتادها بأن هناك اختلافاً أساسياً بين البطلين .. البطل "الخرطومي" والبطل "المديني" ولعل هناك سبباً رئيسياً هو المكان فإذا كان – عرس الزين – يتحرك على أرضية مجتمع مليء بنوع من "الدراويش" مستلهمين من تراث – صوفي – المغرق في بعض التفاصيل المرتبطة بذلك المجتمع وقد يكون من مخيلة ذلك الروائي الذي اتكأ على بعض التراث – السوداني – فاعطاها من "تزينات" مخيلته الكثير وبذر عليها من أباهيره الكثير كروائي له سطوته اللغوية وقدرته الروائية في القص حتى بدت واقعاً يتحرك لا خيالاً ينمحي بمجرد قلبك للصفحة إذا كان ذلك "الزين في عرسه" فإن سيدي كامل صورة "حية" عاشتها المدينةالمنورة بكل تفاصيلها وبكل تهويماتها وسكناتها فأنت تراه في حي الساحة يطلب من أحد السكان إعطاءه "قدر" الملوخية فينصاع له فيدلق القدر أمامه ليدهش وهو يرى عقرباً في داخله أو تراه وهو يمج لفافته يعترض أحدهم قائلاً جاء بس راح.. ليذهب الرجل إلى بيته ويعرف أن زوجته أسقطت جنيناً. وما تكاد تراه في "الساحة" حتى تسمع من يقص عليك حكايته في حي باب المجيدي في نفس تلك اللحظة. أو تراه في شارع "العينية" وترى بعض الطلبة "يتحلقون" حوله لمعرفة نتيجة الامتحان فالذين عاشوا معه في ذلك الزمان بكل بساطته وبكل عفويته بل وبكل صدق المشاعر فيه يعرفون من هو سيدي كامل.. "ها".. ابرم البرمة كما كان يقول. أشياء •• عندما يقع الإنسان في متاهات نفسه ليس مهماً أن تكون المسببات متوفرة وقائمة .. لأن محاولة التبرؤ من الطرف الآخر لا تعطي أي نتيجة عملية بقدر ما هو إيعاز عميق الدوافع من اللامسؤولية. •• عندما يصل الإنسان إلى حد تتساوى لديه كل الأشياء وتنعدم لديه كل الفواصل ولا يستطيع أن يعطي تحديداً معيناً لكل ما يلمس ويشاهد لحظتها يكون قد وصل إلى مرحلة الشبع من كل الموجودات وبالتالي تجده لا يعطي أي اهتمام لكل ما يجري أمامه. •• وعندما تصل حالة الإنسان إلى حد اللا استقرار ويصبح البحث عن الهدف الأسمى نوعاً من الأمنية تظل قيمة ذلك الهدف هي السلوى بعد كل الضنى والتعب بل وتذويب كل المشاق. •• آخر الكلام الصمت أجمل وأعذب كلام يقوله الإنسان