أنظار العالم كانت متجهة نحو مجلس الأمن بشأن اتخاذ قرار أممي ضد النظام السوري الذي تمادى في قتل أبناء شعبه بدم بارد. وبالرغم من الجهود العربية والدولية لحمل المجلس على اتخاذ قرار يُدين هذا النظام، إلا أن الفيتو الروسي - الصيني كان للقرار بالمرصاد، فأطاح بالأمل العربي في تغيير النظام في سوريا، كما أدّى هذا الفيتو إلى سحق الشعب خاصة في حمص وضواحيها. اللافت أن النظام السوري نفسه تصرّف وكأنه حصل على ضوء أخضر بهذا الفيتو ليبدأ مرحلة جديدة متطوّرة في التعامل مع شعبه ألا وهي القصف المباشر للقرى الآمنة. واللافت أيضًا أن الدماء العربية أصبح من السهل إراقتها هناك، وكأن بعض الأنظمة لسان حالها يقول: "إما نحكمكم أو الموت"، ومع أول قطرة دم على الأرض، تختار الشعوب الخيار الثاني لتُسجّل ملاحم رائعة في مواجهة النظام أهمها المواجهة السلمية! انفرد الكيان الصهيوني بعتاده وقصفه وأسلحته المحرّمة بأهل غزة مطلع عام 2009 لم أكن أتصوّر يومًا أن أرى جيشًا عربيًّا على المستوى نفسه، ولكن الفرق أن النظام الصهيوني يتعامل مع ما يعتقد أنه عدو وإبادته، أمّا النظام السوري فقد ضرب لنا مثلاً كئيبًا في جبروت نظام مع شعبه. ظننت لوهلة أن الجيش الإسرائيلي أعاد من جديد قصفه لغزة لا سمح الله. الأمر بحق خطير ولكن من الواضح أن كل ما يدور على الأرض السورية هي فترة الصفقات أو المصالح. الصفقات تُعقد من وراء الكواليس ربّما لتقييم الدور الذي يُمكن أن تلعبه كل من الصين وروسيا إزاء الأزمة. ممّا لا شك فيه أن الفيتو الروسي - الصيني يُعطي رسالة للمجتمع الغربي والعربي معًا فحواها أن النظام السوري حليف استراتيجي بشروط أو حتى إشعار آخر، وهذا يجعل من النظام السوري نفسه في مهبّ الريح لأنه في هذا التوقيت بالذات ومباشرة بعد الفيتو المشترك وضع بقاءه رهن هذين الطرفين بعد أن تخلّى عنه العرب والغرب وبعد استعداء شعبه. أيام النظام السوري بعد كل هذه المذابح صارت حتمًا معدودة وإن طالت، لأن الأصل أن الشعوب هي درع الأنظمة وليست الجيوش لأن الأخيرة درع الوطن، والوطن يعني ببساطة الأرض والشعب. على أقل تقدير الآن يُمكننا الجزم بأن الجيش السوري لا يستطيع بحال أن يُواجه عدوًّا لأن المعادلة في هذا الشأن هي أن الشعوب معنويًّا هي التي تحمي الأنظمة بجيوشها عند الحروب، فإذا كسرت كرامة الشعب، اختلّ ميزان هذه المعادلة والهزيمة العسكرية هي الأرجح. الشعوب وتعبئتها يصنعان المعجزات عند البأس، ولكن حين تُكسر إرادة الشعوب فمعناها أن رصيد الجيش والنظام نفد بالفعل، هذه ناحية. الناحية الأخرى هي تقييم أداء الأنظمة عالميًّا، فالعالم لا ينظر إلى الأنظمة إلاّ من خلال علاقتها بشعوبها، أي أنه كلما ارتبط النظام بشعبه،أجبر العالم على احترام الاثنين، والعكس صحيح، لهذا سعى الغرب الماكر لاستغلال غباء بعض الأنظمة في علاقتها بشعوبها. فصار يُزيّن لهذا سوء عمله. من العار أن يتذرّع الطغاة بحلفائهم من الخارج حتى ولو ضدّ الشعوب، التحالفات في الغالب تُقام بين الدول ضد دول أخرى لهم مصالح مشتركة وربّما يُهدّدهم عدوّ مشترك، أمّا أن تتحالف الدول مع قوى خارجية لضمان بقائها ولو بفناء كامل شعوبها، فهذه قضيّة لم نعهدها من قبل إلا من النظام السوري الذي وجيشه نال شرف هذا الأمر غير المسبوق. الوهم هو أن يتوقّع النظام السوري حماية من أي نوع بعد أن سقط مدوّياً أمام شعبه، والأسوأ أن ينصاع الجيش لأوامر نظامه، ولكن في واقع الأمر، فالدرس السوري أراه الأقسى من حيث القتل وأراه المشهد الأسوأ في تاريخ خلاص الشعوب من حكّامها. نهاية الأسد ربّما نراها على شاشات التلفاز بشكل أبشع من القذافي، وهذه مجرّد رؤية لمشهد قد يتكرّر خاصة أن لكل نظام عقابه بقدر جرمه تجاه شعبه ولا يحتاج الأمر استعراض كيف كانت نهاية كل من سبقه؟.. "لنرى"! باحث في العلاقات الدولية