في كثير من الأحيان داخل الجامعة ووسط الأماكن العامة وعند مسار المشاة في الحدائق والشوارع وطوابير الانتظار والديوانيات العامة أتأمَّل الوجوه وطريقة تصرفاتها وتعاطيها مع المواقف, وعادة ما تسقط عيني على ملفتي الانتباه من ذوي الغرور والكبرياء والانتفاخ المزيف, والذين حين إفشاء التحية يعانون من كلفة واضحة في الاستجابة, وشعور كبريائي يصل حد الاشمئزاز؛ يوحي بشكل فاضح وغير إنساني بالمنَّة والتعاسة للصدفة التي جمعتكما. والحقيقة التي أراها وفق واقع حياتي معايش مع الأمثلة, وأقرب تحليل «اجتهادي» للحالات المذكورة أعلاه, أن حين يكون الإنسان فارغًا ثقافيًا وفكريًا وقيمًا عادة ما يكون بتلك الشخصية المتشدّقة بذاتها الفارغة, ويتضح هذا الفراغ من الغرور المجهد والمصطنع في المشية والخطوة والجلسة والنظرة والحديث والاستجابة للغير, وما يجعلني أميل لهذا التحليل حقيقة تلك الشخصيات, فالبحث والتعمق في الشخصية المغرورة والمتكبرة أو التي تتكلّف في الإجابة حين السؤال وتشعر السائل بعدم الرغبة في التواصل, غالبًا ما تكون النتائج فراغًا تامًا من الثقافة والفكر والقيم الإنسانية الفطرية, ونقيض الصورة الظاهرة من البهرجة - على اعتبار أن البهرجة تكون لأسباب مكتسبة كالعِلم والمعرفة أو المال والجاه – التي علقت في أذهان الكثير أنها نتيجة أمور قيمة مكتسبة, بدليل المفاجأة وردة الفعل حين معرفة أن هذا الإنسان المتواضع والبسيط هو المثقف العميق والمفكر العظيم, وهذا ما يؤكد رسوخ النظرة الخاطئة بأن الكبرياء والغرور نتيجة أمور مكتسبة مبررة لهذه البهرجة الفارغة والكلفة المجهدة غير المقبولة. والحقيقة أن كل ما تعلّم الإنسان وارتفعت محصلته الثقافية صار أكثر تواضعًا وبساطة من الشخصيات الفارغة, كذلك الحال مع الإنسان ذي الفطرة السليمة والفكر غير المشوّه, أي العادي البسيط, حيث يتمتع بقيم أخلاقية وإنسانية عالية في التعامل مع الغير, كما أن الإنسان السليم - الذي لم تعصف به عوامل تشويه - فكرا وخلقا أكثر إحساسًا بالغير, وأكثر تواضعًا وبساطة ومنطقا في التعاملات الحياتية مع الغير, والأمثلة على الشخصيات الفكرية والثقافية والعلمية التي خدمت الإنسانية, وتتمتع ببساطة وبأخلاق عالية وتواضع تملأ صفحات التاريخ البشري. فالإنسان المليء بالفكر والثقافة والقيم الأخلاقية ليس بحاجة لكل تلك الأساليب المزيفة, أو نفخ الذات بالكبرياء والغرور, عكس الإنسان الفارغ «المشوّه» الذي يدفعه جهله أو مفاهيمه الخاطئة المخالفة للطبيعة الإنسانية السليمة لملء هذا الفراغ بتلك الأساليب المضحكة التي تُعري حقيقته الثقافية والأخلاقية.