سلوكك مرصودٌ يا ولدي, مرصودٌ, مرصودٌ, تذكرت عبد الحليم حافظ رحمه الله وهو يغني رائعة الراحل نزار قباني (قارئة الفنجان) وتحديدا حينما كان يشدو (فطريقك مسدودٌ يا ولدي, مسدودٌ, مسدود, تذكرتها وأنا أتابع عن كثب تلك الوصاية التي يفرضها المجتمع على سلوك الأشخاص. فالمجتمع الراصد لتصرفات الغير, والذي اعتاد الغوص عميقاً في تفسيره لسلوك الآخرين, جاعلاً منها هماً مُهماً لازماً لمعرفة ما يدور في حياة المجاورين, ففي كثيرٍ من سلوكيات المجتمعات التي تهتم برصد سلوك أفرادها تولد تلك الرغبات الشديدة لحشر جميع الحواس في دراسة وملاحقة الغير والتعرف على ما قد يخفونه, بل والتماهي مع تلك الرغبات وتنميتها في العقل الباطن للأفراد الذين طبعوا عقولهم على ممارسة هذا النوع من الرصد, وهم بذلك يشبعون ما يمثل فيهم غريزةً ذات شهوة لها نكهتها الفريدة. أفراد المجتمع الراصد يعانون من فوبيا التدخل في شؤون الغير وتحليلها إيجاباً وسلباً حتى وضعوا ما يسمى بالقيود الاجتماعية, لأن المرصود بطبيعته يستشعر عمليات الملاحقة من حوله, وما يلبث أن يتقمص الدور ويبدأ في محاكاة ومجاراة طباع الغير, وذلك عن طريق البعد عمّا صنفه الملاحقون سلباً, والتمظهر بما صُنِّف إيجاباً, ومع تلك المحاكاة ومحاولة التناغم مع طباع بديلة تولد المعاناة؛ لأنه إنما يمارس الكذب الحياتي يومياً حتى تتحول معيشته إلى كذبة كبرى, يصدقها ويعيش تفاصيلها ولا ينفك يتوجع بزمهرير حياته المزيفة, لأنه يعي تماماً أن محاولة تجاهل تلك التفاصيل والتمرد عليها, إنما هو مجازفة كبرى تجعله مجالاً رحباً للاستهجان والسخرية وحديثا مستساغا للمجالس, تستبيح فيها العقول الجمعية سلوكه, حتى تحيله إلى كائن مُطاردٍ مطرود. من لنا بأناس يهتمون بشؤونهم ويدعون الخلق للخالق, ومن أين لنا بعصا سحرية تحيل فئةً من البشر من اهتمامها بخصوصيات غيرها إلى متابعة ذواتهم وتقويم سلوكياتهم, لأنهم بذلك يبدأون عملية إصلاحٍ مجتمعي كبرى, تنطلق من الفرد وحتى الجماعة.