نستطيع – دون أي تعسف- أن نطلق على الاحتجاجات الأسبوعية المتعاظمة في شارع المصارف (وول ستريت) في نيويورك اسم «الخريف الأميركي» بكل ما للكلمة من معانٍ وتداعيات وإيحاءات.واختيار وصف «الخريف الأميركي» لا يعود لأن موعد أول هذه المسيرات جاء متطابقاً مع الأيام الأولى من فصل الخريف، ولا فقط من كون الاستخدام المفرط لتعبير «الربيع العربي» من قبل الإدارة الأميركية قد أثار فينا مخاوف وهواجس وحتى مواجع، بل أيضاً لأن من يواكب التطورات السياسية الاقتصادية والاجتماعية يلاحظ دون صعوبة، أن الإمبراطورية الأميركية التي كانت تهيئ نفسها للسيطرة على العالم كلّه في القرن الواحد والعشرين قد أصيبت بعوارض الشيخوخة وهي لم تدخل بعد العقد الثاني من هذا القرن. وأخطر ما تواجهه الإمبراطورية المهتزة اليوم، ليست هذه الأزمة الاقتصادية والمالية والسياسية التي تضرب في عمق الدولة الأكبر والأغنى في العالم فحسب، بل حال الإنكار المرعبة التي تتخبط بها إدارتها في سياساتها، الداخلية والخارجية، الاقتصادية والاجتماعية، الاستراتيجية والعسكرية، كما في أدائها التشريعي والتنفيذي، وهو الأداء الذي اعتبرته مؤسسة بروكينغر للتصنيف الائتماني السبب الرئيسي في إعاقة تخفيض الدين والعجز في الموازنة.وأيّاً تكن الاتجاهات التي قد تندفع إليها الولاياتالمتحدة الأميركية في السنوات القادمة والتي قد تصل إلى حد تفكك كيانها الموحد من فيدرالي إلى كونفدرالي يضم تجمعات أربع أو خمس – حسب توقعات الصديق والخبير في الشؤون الأميركية الدكتور زياد الحافظ . حال الإنكار الشاملة هذه، أميركياً وأوروبيا وإقليميا، تفسّر رهان البعض على تدخل أميركي، أو دور أوروبي، في هذه البلد أو ذاك، في هذه القضية أو تلك، بكل ما يقود إليه هذا الرهان من حسابات خاطئة، وممارسات خطرة وعنف دموي وعنف مضاد ثم ندم حيث لا ينفع الندم.وإذا كان البعض يرى في الالتزام الأميركي الفاضح بالمشروع الصهيوني، والذي شهدت منابر الأممالمتحدة آخر فصوله قبل أيام، تأكيداً على علاقة وثيقة بين الامبريالية والصهيونية، إلا أن هذا الالتزام يكشف كذلك ضعفاً خطيراً في قوة واشنطن ونفوذها.فهل يقرأ المعنيون بشؤون المنطقة، من سياسيين ومثقفين وإعلاميين، في كتاب التحولات الدولية، خصوصاً في فصل التحولات الأميركية والأوروبية، ويستنتجون الدروس الصحيحة من هذه القراءة؟ بل هل يجري المعنيون، حكاماً ومعارضين، المراجعات المطلوبة فيقلع المراهنون، دون تردّد، عن رهاناتهم الخاسرة والدامية، ويستجيب القادرون ، دون تلكؤ، لمطالب شعوبهم المشروعة.